للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى الأقوالِ في ذلك عندى بالصوابِ أن يقالَ: معنى ذلك: إلا أن تَفْعَلُوا إلى أوليائِكم الذين كانَ رسولُ اللهِ آخَى بينَهم وبينَكم مِن المهاجرين والأنصارِ - معروفًا من الوصيةِ لهم، والنُّصرةِ والعقلِ عنهم، وما أشْبَه ذلك؛ لأن كلَّ ذلك مِن المعروفِ الذي قد حثَّ اللهُ عليه عبادَه.

وإنما اخْتَرْتُ هذا القولَ، وقلتُ: هو أولى بالصوابِ من قيلِ مَن قال: عُنِى بذلك الوصيةُ للقَرابةِ من أهلِ الشركِ. لأن القريبَ من المشركِ، وإن كان ذا نَسبٍ، فليس بالمولَى، وذلك أن الشركَ يَقْطَعُ ولايةَ ما بينَ المؤمنِ والمشركِ، وقد نهَى اللهُ المؤمنين أن يَتَّخِذوا منهم وليًّا بقوله: ﴿لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: ١]. وغيرُ جائزٍ أن يَنْهاهم عن اتخاذِهم أولياءَ، ثم يَصِفَهم جلَّ ثناؤُه بأنهم لهم أولياءُ.

وموضعُ ﴿أَنْ﴾ من قولِه: ﴿إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا﴾. نصبٌ على الاستثناءِ. ومعنى الكلامِ: وأولو الأرحامِ بعضُهم أولى ببعضٍ في كتابِ اللهِ مِن المؤمنين والمهاجرِين، إلا أن تَفْعَلُوا إلى أوليائِكم [من المؤمنين والمهاجرين] (١) الذين ليسوا بأُولى أرحام منكم - معروفًا.

وقولُه: ﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾. يقولُ: كان أولو الأرحامِ بعضُهم أوْلَى ببعضٍ في كتابِ اللهِ، أي: في اللوحِ المحفوظِ، ﴿مَسْطُورًا﴾. أي: مكتوبًا؛ كما قال الراجزُ (٢):

* في الصُّحُفِ الأُولَى التي كان سَطَرْ *

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢. وبعده في ص: "معروفا".
(٢) هو العجاج، والبيت في ديوانه ص ٤٨.