للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾. قال: ظنونًا مختلفةً: ظنَّ المنافقون أن محمدًا وأصحابَه سَيُستأْصَلون، وأَيْقَن المؤمنون أن ما وعَدهم اللهُ حقٌّ؛ أنه سيُظْهِرُه على الدينِ كلِّه ولو كرِه المشركون (١).

واختلَفتِ القرأَةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾. فقرَأ ذلك عامةُ قرأَةِ المدينةِ وبعضُ الكوفيِّين: ﴿الظُّنُونَا﴾ بإثباتِ الألفِ، وكذلك: ﴿وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾ و (٢): ﴿فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ [الأحزاب: ٦٦، ٦٧]. في الوصلِ والوقفِ (٣). وكان اعتلالُ المعتلِّ في ذلك لهم، أن ذلك في كلِّ مصاحفِ المسلمين بإثباتِ الألف في هذه الأحرفِ كلِّها. وكان بعضُ قرَأَةِ الكوفةِ يُثْبِتُ الألفَ فيهنَّ في الوقفِ ويَحْذِفُهن في الوصلِ (٤)؛ اعتلالًا بأن العربَ تفعلُ ذلك في قوافي الشعرِ ومصاريعِها، فتُلحقُ الألفَ في موضِع الفتحِ للوقوفِ، ولا تفعلُ ذلك في حشوِ الأبياتِ، وإن هذه الأحرفَ حسُن فيها إثباتُ الألفاتِ؛ لأنهن رءوسُ الآيِ، تمثيلًا لها بالقوافي.

وقرَأ ذلك بعضُ قرأةِ البصرةِ والكوفةِ بحذفِ الألفِ من جميعِه في الوقفِ والوصلِ (٥)؛ اعتلالًا بأن ذلك غيرُ موجودٍ في كلامِ العربِ إلا في قوَافى الشعرِ دونَ غيرِها من كلامِهم، وأنها إنما تَفْعَلُ ذلك في القوافى؛ طلبًا لإتمامِ وزنِ الشعرِ، إذ لو لم تَفْعَلْ ذلك فيها لم يَصِحَّ الشعرُ، وليس ذلك كذلك في القرآنِ؛ لأنه لا شيءَ يَضْطَرُّهم إلى ذلك في القرآنِ، وقالوا: هنَّ، مع ذلك، في مصحفِ عبدِ اللهِ بغير ألفٍ.

وأَوْلى القرَاءاتِ في ذلك عندى بالصوابِ: قراءةُ من قرَأه بحذفِ الألفِ في


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ١٨٧ إلى المصنف وابن أبي حاتم. وينظر تفسير ابن كثير ٦/ ٣٨٩.
(٢) سقط من: م.
(٣) هي قراءة عاصم في رواية أبي بكر، ونافع، وابن عامر. السبعة ص ٥١٩، والتيسير ص ١٤٤.
(٤) هي قراءة ابن كثير، والكسائي، وعاصم في رواية حفص. ينظر المصدران السابقان.
(٥) هي قراءة أبي عمرو، وحمزة، ينظر المصدران السابقان.