للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علقمةَ بن وقَّاصٍ الليثيِّ، قال: قال رسولُ اللهِ : "لقد حكمت فيهم بحُكْمِ اللهِ من فوق سبعة أرْقِعَةٍ". ثم استُنزِلوا، فحبَسهم رسولُ اللهِ في دار ابنة الحارثِ - امرأةٌ مِن بنى النجَّار - ثم خرَج رسولُ اللهِ إلى سوقِ المدينةِ التي هي سوقُها اليومَ، فخندَق بها خنادقَ، ثم بعَث إليهم، فضرَب أعناقَهم في تلك الخنادقِ، يُخرَجُ بهم إليه أرسالًا، وفيهم عدوُّ اللهِ حُيَيُّ بنُ أخطَبَ، وكعبُ بنُ أسدٍ رأسُ القومِ، وهم ستُّمِائةٍ أو سبعُمِائةٍ. والمكثرُ منهم يقولُ: كانوا مِن الثمانِمائةِ إلى التسعِمَائةِ. وقد قالوا لكعبِ بن أسدٍ وهم يُذْهَبُ بهم إلى رسولِ اللهِ أرسالًا: يا كعبُ، ما ترَى يُصْنَعُ بِنا؟ فقال كعبٌ: أفي كلِّ موطِنٍ لا تعقِلون؟! أَلا تَرَوْنَ الداعىَ لا يَنْزِعُ، وأنه مَن يُذْهَبُ به منكم فما يَرْجِعُ! هو واللهِ القتلُ. فلم يَزَلْ ذلك الدأبَ، حتى فرَغ منهم رسولُ اللهِ ، وأُتِي بحيي بن أخطب عدوِّ اللهِ، وعليه حُلةٌ له فَقّاحِيَّةٌ (١) قد شقَّقَها عليه مِن كلِّ ناحيةٍ كموضعِ الأُنملةِ، أنملةً أنملةَ؛ لئلا يُسْلَبَها، مجموعةٌ يداه إلى عنقِه بحبلٍ، فلما نظَر إلى رسولِ اللهِ قال: أما واللهِ ما لُمتُ نفسى في عداوتِك، ولكنه مَن يَخذُلِ اللَّهُ يُحْذَلْ. ثم أقبلَ على الناسِ فقال: أيُّها الناسُ، إنه لا بأسَ بأمرِ اللهِ، كتابُ اللهِ وقدرُه، وملحمةٌ قد كُتِبت على بنى إسرائيلَ. ثم جلَس فضُرِبت عنقُه، فقال جبلُ بنُ جَوّالٍ الثعلبيُّ:

لعمرُك ما لامَ ابْنُ أَخطبَ نفسَه … ولكنه مَن يَخْذُلِ اللَّهُ يُحْذَلِ

لجاهَد حتى أبلَغ النفسَ عُذْرَها … وقَلْقَلَ يَبْغى العزَّ كلَّ مُقَلْقَلِ (٢)

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، قال: ثنا محمدُ بنُ إسحاقَ، عن محمدِ بن جعفرِ بن الزبيرِ، عن عروةَ بن الزبيرِ، عن عائشةَ، قالت: لم يُقْتَلُ مِن نسائِهم إلا


(١) حلة فُقاحِيَّة: وهى على لون الورد حين هم أن يتفتح. التاج (ف ق ح).
(٢) سيرة ابن هشام، ٢/ ٢٤١، وأخرجه المصنف في تاريخه ٢/ ٥٨٩.