للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ: ﴿يُضَاعَفْ (١) لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾. قال: يعنى عذابَ الآخرةِ.

واختَلفت القرأةُ في قراءةِ ذلك، فقرَأته عامةُ قرأةِ الأمصارِ: ﴿يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ﴾ بالألفِ غيرَ أبي عمرٍو؛ فإنه قرَأ ذلك: (يُضَعَّفُ) بِتَشْدِيدِ العين (٢). تأوُّلًا منه في قراءتِه ذلك أن "يُضَعَّفَ" بمعنى تضعيفِ الشيءِ مرةً واحدةً، وذلك أن يُجعلَ الشيءُ شيئَين، فكأن معنى الكلامِ عندَه: أن يجعلَ عذابَ مَن يأتى مِن نِساءِ (٣) النبيِّ بفاحشةٍ مُبَيِّنةٍ في الدنيا والآخرةِ مِثْلَىْ عذابِ سائرِ النساءِ غيرِهنَّ، ويقولُ: إِنَّ ﴿يُضَاعَفْ﴾ بمعنى أن يُجْعَلَ إلى الشيءِ مِثْلَاه، حتى يكونَ ثلاثةَ أمثالِه. فكأن معنى مَن قرَأَ: ﴿يُضَاعَفْ﴾ عندَه كان: أن يجعلَ (٤) عذابَها ثلاثةَ أمثالِ عذابِ غيرِها مِن النساء مِن غيرِ أزواجِ النبيِّ ؛ فلذلك اختارَ (يُضَعَّفُ) على ﴿يُضَاعَفْ﴾. وأنكر الآخرون الذين قرءُوا ذلك ﴿يُضَاعَفْ﴾ كل ما كان يقولُ في ذلك، ويقولون: لا نعلم بين (يُضَعَّف) و ﴿يُضَاعَفْ﴾ فَرْقًا.

والصوابُ مِن القراءةِ في ذلك ما عليه قرأةُ الأمصارِ (٥)، وذلك: ﴿يُضَاعَفْ﴾. وأما التأويلُ الذي ذهب إليه أبو عمرٍو، فتأويلٌ لا نعلمُ أحدًا مِن أهلِ العلمِ ادَّعاه غيرَه، وغيرَ أبى عُبيدةَ معمرِ بن المُثَنَّى، ولا يجوز خلافُ ما جاءت به الحجةُ مجمعةً عليه بتأويلٍ لا برهانَ له مِن الوجهِ الذي يجبُ التسليمُ له.

وقولُه: ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وكانت مضاعفةُ العذابِ على مَن فعَل ذلك منهنّ على اللهِ يسيرًا. واللهُ أعلمُ.


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "يضعف".
(٢) السبعة لابن مجاهد ص ٥٢١.
(٣) في ت ٢: "أزواج".
(٤) سقط من: م.
(٥) القراءتان كلتاهما صواب.