للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهي الجنةُ (١).

واختلفَتِ القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَتَعْمَلْ صَالِحًا﴾؛ فقَرأته عامةُ قرأةِ الحجازِ والبصرة، ﴿وَتَعْمَلْ﴾ بالتاءِ ردًّا على تأويلِ مَن إذ جاء بعدَ قولِه: ﴿مِنْكُنَّ﴾ (٢). وحكَى بعضُهم عن العربِ أنها تقولُ: كم بيعَ لك جاريةً. وأنهم إن قدَّموا الجاريةَ قالوا: كم جاريةً بِيعتْ لك؟ فأنَّثُوا الفعل بعد الجارية، والفعلُ في الوجهين لكُمْ لا للجاريةِ.

وذكر الفراءُ أن بعضَ العرب أنشَده (٣):

أَيَا أمَّ عمرٍو مَن يَكُنْ عُقْرُ دَارِه … جوَاءَ عَدِيٍّ يَأكُلِ الحَشَراتِ

ويَسْوَدُّ مِن لَفْح السَّمومِ جَبِينُه … ويَعْر وإن كانوا ذوى بَكَراتِ

فقال: وإن كانوا. ولم يَقُلْ: وإن كان. وهو لـ "مَن"، فَرَّدَه على المعنى.

وأما أهلُ الكوفة؛ فقرأت ذلك عامةُ قَرأتِها: (ويعمل) بالياءِ عطفًا على ﴿يَقْنُتْ﴾؛ إذ كان الجميعُ على قراءتِه بالياء (٤).

والصوابُ مِن القولُ في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان في كلامِ العربِ، فبأيَّتِهما قَرأ القارئُ فمصيبٌ، وذلك أن العربَ تَرُدُّ خبرَ "مَن" أحيانًا على لفظِها، فتوحِّدُ وتُذَكَّرُ، وأحيانًا على مَعْناها، كما قال جل ثناؤُه: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ


(١) تقدم تخريجه في ١١/ ٣٢.
(٢) هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وعاصم. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٥٢١.
(٣) البيتان في معاني القرآن للفراء ٢/ ٣٤١، والأول فقط في الحيوان ٦/ ٣٩٨ برواية: "جرار" بدلا من: "جواء".
(٤) هي قراءة حمزة والكسائي. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٥٢١.