للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما حدَّثنا يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾. قال: قولًا جميلًا حسنًا معروفًا في الخيرِ (١).

واختلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾؛ فقرَأته عامةُ قرأةِ المدينةِ وبعضُ الكوفيِّين: ﴿وَقَرْنَ﴾ بفتحِ القافِ، بمعنى: واقْرَرْنَ في بُيُوتِكنَّ (٢)، وكأن مَن قَرأ ذلك كذلك حذَف الراءَ الأولى مِن "اقْرَرْنَ"، وهى مفتوحةٌ، ثم نقَل فتَحتَها إلى القافِ، كما قيل: (فَظِلْتُمْ تَفَكَّهونَ) وهو يريدُ فَظَلِلْتم (٣)، فأُسقطت اللامُ الأولى وهى مكسورةٌ، ثم نُقلت كسرتُها إلى الظاءِ.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفةِ والبصرةِ: (وَقِرْنَ) بكسرِ القافِ، بمعنى: كُنَّ أهل وقارٍ وسَكينة ﴿فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ (٤).

وهذه القراءةُ، وهى الكسرُ في القافِ، أَولى عندَنا بالصوابِ (٥)؛ لأن ذلك إن كان مِن الوقارِ على ما اخْترنا فلا شكَّ أن القراءةَ بكسرِ القافِ؛ لأنه يقالُ: وَقَرَ فلانٌ في منزلِه، فهو يَقِرُ وُقُورًا. فتُكسرُ القافُ في "تَفْعِلُ"، فإذا أُمر منه قيل: قِرْ. كما يقالُ مِن وَزَن يَزِنُ: زِنْ (٦)، وَمِن وَعَد يَعِدُ: عِدْ.

وإن كان مِن القَرارِ فإن الوجهَ أن يقالَ: اقْرِرْنَ؛ لأن مَن قال مِن العربِ: ظَلْتُ أفعلُ كذا، وأَحَسْتُ بكذا. فأسقَط عيَن الفعلِ، وحوَّل حركتَها إلى فائِه في فَعَلَ وفَعَلْنا وفَعَلْتم، لم يفعلْ ذلك في الأمرِ والنهيِ، فلا يقولُ: ظَلَّ قائمًا، ولا: لا تَظَلَّ


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ٦/ ٤٠٤.
(٢) هي قراءة نافع وعاصم، السبعة لابن مجاهد ص ٥٢١.
(٣) البحر المحيط ٨/ ٢١١، ٢١٢.
(٤) هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي، السبعة لابن مجاهد ص ٥٢٢.
(٥) القراءتان كلتاهما صواب.
(٦) سقط من: ص، ت ١، ت ٢.