للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى الأقوالِ عندى بالصحة قولُ مَن قال: معنى ذلك: لا يحِلُّ لك النساءُ مِن بعدِ اللواتي أحللتُهن لك بقوله: ﴿إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾ إلى قولِه: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾.

وإنما قلت ذلك أولى بتأويلِ الآيةِ؛ لأن قولَه: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ﴾ عَقِيبَ قوله: ﴿إِنَّا أَحْلَلْنَا﴾. وغيرُ جائز أن يقولُ: قد أَحْلَلتُ لك هؤلاء، ولا يحلُلْنَ لك، إلَّا بنسخِ أحدِهما صاحبَه، وعلى أن يكونَ وقتَ فرض إحدى الآيتين، فعَلَ (١) الأخرى منهما. فإذ كان ذلك كذلك، ولا برهانَ ولا دلالةَ على نسخِ حكمِ إحدى الآيتين حكمَ الأخرى، ولا تقدُّم تنزيل إحداهما قبلَ صاحبتها، وكان غيرَ مستحيلٍ مخرجُهما على الصحةِ، لم يجْز أن يقالَ: إحداهما ناسخةٌ الأخرى. وإذ كان ذلك كذلك، ولم يكنْ لقول مِن قال: معنى ذلك: لا يحلُّ مِن بعدِ المسلمات، يهوديةٌ ولا نصرانيةٌ ولا كافرةٌ، معنًى مفهومٌ؛ إذ كان قولُه: ﴿مِنْ بَعْدُ﴾ إنما معناه: مِن بعدِ المسمَّيات المتقدِّمِ ذكرُهن في الآيةِ قبلَ هذه الآيةِ، ولم يكنْ في الآيةِ المتقدِّمِ فيها ذكرُ المسمَّياتِ بالتحليلِ لرسول الله ذكرُ إباحةِ المسلمات كلِّهن، بل كان فيها ذكرُ أزواجهِ وملكِ يمينهِ الذي يُفيءُ اللَّهُ عليه، وبناتِ عمِّه وبناتِ عماتهِ، وبناتِ خالِه وبناتِ خالاتِه، اللاتى هاجرْنَ، معه، وامرأةٍ مؤمنةٍ إن وهبَت نفسَها للنبيِّ - فتكونَ الكوافر مخصوصاتٍ بالتحريمِ - صحَّ ما قلْنا في ذلك دونَ قولِ مَن خالف قولنَا فيه.

واختلَفت القرأةُ في قراءة قوله: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ المدينةِ والكوفةِ ﴿يَحِلُّ﴾ بالياء (٢)، بمعنى: لا يحلُّ لك شيءٌ مِن النساءِ


(١) فعل: أي تقدم وسبق.
(٢) هي قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٥٢٣.