للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونصْبُ ﴿غَيْرَ﴾ في قولِه: ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾. على الحالِ من الكافِ والميمِ في قولِه: ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾. لأن الكافَ والميمَ معرفةٌ، و"غيرَ" نكرةٌ، وهي من صفةِ الكافِ، والميمِ.

وكان بعضُ نحويِّى البصرةِ يقولُ: لا يجوزُ في "غيرُ" الجرُّ على الطعامِ، إلا أن تقولَ: أنتم. ويقولُ: ألا ترى أنك لو قلت: أبدَى لعبدِ اللَّهِ على امرأةٍ مُبغضًا لها. لم يكَنْ فيه إلا النصبُ، إلا أن تقولَ: مُبْغِضٍ لها هو. لأنك إذا أجريتَ صفتَه عليها، ولم تُظهرِ الضميرَ الذي يدُلُّ على أن الصفةَ له، لم يكنْ كلامًا، لو قلتَ: هذا رجلٌ مع امرأةٍ مُلازمِها. كان لحنًا، حتى ترفَعَ فتقولَ: ملازِمُها. أو تقولَ: مُلازمِها هو. فنجُر.

وَكان بعضُ نحويِّى الكوفةِ يقول (١): لو جعَلتَ "غيرَ" في قولِه: ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾. خَفْضًا كان صوابًا؛ لأن قبلَها الطعامَ وهو نكرةٌ، فيُجعَلُ فعلُهم تابعًا للطعامِ، لرجوعِ ذكرِ الطعامِ في "إناهُ"، كما تقولُ العربُ: رأيتُ زيدًا مع امرأةٍ مُحسِنًا إليها، ومُحسنِ إليها. فمن قال: محسنًا، جعَله من صفةِ زيدٍ، ومَن خفَضه فكأنه قال: رأيتُ زيدًا مع التي يُحسِنُ إليها. فإذا صارت الصلةُ للنكرةِ أتبعَتْها، وإن كانت فعلًا لغيرِ النكرةِ، كما قال الأعشى (٢):

فَقُلْتُ له هذه هاتِها … إِلَيْنَا بِأَدْمَاءَ مُقْتَادِها

فجعَل المقتادَ تابعًا لإعرابِ "بأدماءَ"؛ لأنه بمنزلةِ قولِك: بأدماءَ تقتادُها. فخفَضَه؛ لأنه صلةٌ لها. قال: وقد يُنْشَدُ: "بأدماءِ مقتادِها". بخفضِ الأدماءِ،


(١) ينظر معاني القرآن للفراء ٢/ ٣٤٦، ٣٤٧.
(٢) ديوانه ص ٦٩.