للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَبٌّ، وهي عند العربِ: أَرْعِني سمعَك وفرِّغْه لي (١)؛ لتَفْهَمَ عني. فعلَّم اللهُ جلَّ ثناؤُه معنى اليهودِ في قيلِهم ذلك للنبيِّ ، وأن معناها منهم خلافُ معناها في كلامِ العربِ، فنَهَى اللهُ ﷿ المؤمنين عن قيلِها للنبيِّ ، لئلا يَجْتَرِئَ مَن كان معناه في ذلك غيرَ معنى المؤمنين فيه، أن يُخاطِبَ رسولَ اللهِ به. وهذا تأويلٌ لم يَأْتِ الخبرُ بأنه كذلك مِن الوجهِ الذي تقومُ به الحجةُ. وإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويلِ الآيةِ ما وصَفْنا، إذ كان ذلك هو الظاهرَ المفهومَ بالآيةِ دون غيرِه.

وقد حُكِيَ عن الحسنِ البصريِّ أنه كان يقرؤُه: (لا تقولوا راعنًا) (٢). بالتنوينِ، بمعنى: لا تقولوا قولًا راعنًا. من الرُّعونةِ، وهي الحُمْقُ والجهلُ.

وهذه قراءةٌ لقَرأةِ المسلمين مخالِفةٌ، فغيرُ جائزٍ لأحدٍ القراءةُ بها، لشذوذِها وخروجِها من قراءةِ المتقدِّمين والمتأخِّرين، وخلافِها ما جاءت به الحجّةُ من المسلمين. ومن نَوَّن (راعنًا) نَوَّنه بقولِه: ﴿لَا تَقُولُوا﴾، لأنه حينئذٍ عاملٌ فيه، ومن لم يُنَوِّنْه فإنه تَرَك تنوينَه لأنه أمرٌ مَحْكِيٌّ؛ لأن القومَ كأنهم كانوا يقولون للنبيِّ : راعِنا. بمعنى مَسألتِه؛ إمّا أن يُرْعِيَهم سمعَه (٣)؛ وإمّا أن يرعاهم ويَرْقُبَهم -على ما قد بَيَّنْتُ فيما مضَى- فقيل لهم: لا تقولُوا في مسألتِكم إياه: ﴿رَاعِنَا﴾. فتكونُ الدلالةُ على معنى الأمر في ﴿رَاعِنَا﴾ حينئذٍ سقوطَ الياءِ التي كانت تكونُ في "راعَيتُه" (٤)، ويدلُّ عليها -أَعنى على الياءِ الساقطةِ- كسرةُ العينِ مِن ﴿رَاعِنَا﴾.


(١) زيادة من: الأصل.
(٢) إتحاف فضلاء البشر ص ٨٨.
(٣) سقط من: الأصل.
(٤) في م: "يراعيه"، وفي ت ١ ت ٢، ت ٣: "راعيه".