للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولَدِى بالأمانةِ. فأبَت، وقال للأرضِ، فأبَت، فقال للجبالِ، فأبَت، فقال لقابيلَ، فقال: نعم. تذهبُ وترجعُ، وتجدُ أهلَك كما يسُرُّك. فلما انطلَق آدمُ وقرَّبا قربانًا، وكان قابيلُ يفخرُ عليه فيقولُ: أنا أحقُّ بها منك، هي أختى، وأنا أكبرُ منك، وأنا وصيُّ والدى. فلما قرَّبا، قرَّب هابيلُ جَذَعَةً سمينةً، وقرَّب قابيلُ (١) حُزْمةً سُنْبلٍ، فوجَد فيها سُنْبلةً عظيمةً، ففَرَكها فأكَلها، فنزلَت النارُ، فأكَلَت قُرْبَانَ هابيلَ، وتركَت قُربانَ قابيلَ، فغضِب وقال: ﴿لِأَقْتُلَكَ﴾ حتى لا تنكحَ أختى. فقال هابيلُ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ إلى قولِه: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ﴾ [المائدة: ٢٧ - ٣٠]. فطلَبه ليقتُلَه، فراغَ الغلامُ منه في رءوسِ الجبالِ، وأتاه (٢) يومًا مِن الأيامِ، وهو يَرْعَى غنمَه في جبلٍ وهو نائمٌ، فرفَع صخرةً، فشَدَخ بها رأسَه فمات، وترَكه بالعَراءِ، ولا يعلمُ كيف يُدْفَنُ، فبعَث اللَّهُ غُرابَين أخَوين (٣)، فاقْتَتلا، فقتل أحدُهما صاحبَه، فحفَر له، ثم حَثَا عليه، فلما رَآه قال: ﴿يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي﴾ [المائدة: ٣١]. فهو قولُ اللَّهِ : ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾ [المائدة: ٣١]. فرجَع آدمُ، فوجَد ابنَه قد قتَل أخاه، فذلك حينَ يقولُ: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ إلى آخرِ الآيةِ (٤).

وأَولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ ما قاله الذين قالوا: إنه عُنِى بالأمانةِ في هذا الموضعِ جميعُ معاني الأماناتِ في الدينِ، وأماناتِ الناسِ. وذلك أن اللَّهَ لم يَخُصُّ


(١) في م: "هابيل". وهو خطأ طباعي.
(٢) في ت ٢: "لقاه".
(٣) سقط من: ت ١.
(٤) ذكره القرطبي في تفسيره ١٤/ ٢٥٤، وأبو حيان في البحر المحيط ٧/ ٢٥٤.