للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ : اختلَفت القرَأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرَأةِ الكوفيين: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ﴾ بتشديدِ الدالِ من ﴿صَدَّقَ﴾، بمعنى أنه قال ظنًّا منه: ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٧]. وقال: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)﴾. [ص: ٨٢، ٨٣] ثم صدَّق ظنَّه ذلك فيهم، [فحقَّقه بفعلِه] (١) ذلك بهم، واتِّباعهم إياه. وقرَأ ذلك عامةُ قرَأةِ المدينةِ والشامِ والبصرةِ: (ولقد صَدَق عليهم) بتخفيفِ الدالِ، بمعنى: ولقد صدَق عليهم في ظنِّه (٢).

والصوابُ من القولِ في ذلك عندى أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، وذلك أن إبليسَ قد صدَّق على كفَرةِ بني آدمَ في ظنِّه، وصدَق عليهم ظنُّه الذي ظنَّ حينَ قال: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾. وحينَ قال: ﴿وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ﴾ [النساء: ١١٩] الآية، قال ذلك عدوُّ اللهِ، ظنًّا منه أنه يفعلُ ذلك لا علمًا، فصار ذلك حقًّا باتباعِهم إياه. فبأيِّ القراءتين قرَأ القارئُ فمصيبٌ.

فإذا كان ذلك كذلك، فتأويلُ الكلامِ على قراءةِ من قرَأ بتشديدِ الدالِ: ولقد ظنَّ إبليسُ بهؤلاء الذين بدَّلناهم بجنتَيهم جنتَين ذواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ، عقوبةً منَّا لهم - ظنًّا غيرَ يقينٍ؛ عَلِم أنهم يَتَّبعونه ويُطِيعونه في معصيةِ اللهِ، فصدَّق ظنَّه عليهم، بإغوائِه إياهم، حينَ (٣) أطاعُوه وعَصَوا ربَّهم، إلا فريقًا من المؤمنين باللهِ، فإنهم ثبتوا على طاعة اللهِ ومعصيةِ إبليسَ.


(١) في م، ت ٢: "فحقق"، وفى ت ١، ت ٣: "محققه".
(٢) قراءة تشديد الدال هي قراءة عاصم وحمزة والكسائي، وقراءة تخفيف الدال هي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر. السبعة ص ٥٢٩، والكشف عن وجوه القراءات ٢/ ٢٠٧، والتيسير ص ١٤٧.
(٣) في م، ت ٢، ت ٣: "حتى".