للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذ كان ذلك كذلك، فمعنى الكلام: ولا تنفعُ الشفاعة عنده، إلا لمن أذِن له أن يشفع عنده (١)، فإذا أذن (٢) اللهُ لَمَن أذن له أن يشفعَ، فزِع لسماعه إِذْنَه، ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ﴾ فَجُلىَ عنها، وكُشِف الفزع عنهم، ﴿قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ [قَالُوا الْحَقَّ] (٣)﴾. قالت الملائكةُ: الحقَّ. ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾ على كلِّ شيءٍ، ﴿الْكَبِيرُ﴾ الذي لا شيء إلا هو دونه.

والعرب تستعمل "فزِّع" في معنيين، فتقول للشجاع الذي به تنزل الأمورُ التي يُفزَعُ منها: هو مُفَزَّعٌ. وتقولُ للجبانِ الذي يفزَعُ مِن كُلِّ شيءٍ: إنه لمُفَزَّعٌ. وكذلك تقول للرجل الذي يقضى له الناسُ في الأمور بالغَلَبَةِ على من نازله فيها: هو مُغَلَّبٌ. وإذا أُريد به هذا المعنى كان غالبًا، وتقول للرجل أيضا الذي هو مغلوبٌ أبدًا: مُغَلَّبٌ (٤).

وقد اختلفت القرأةُ في قراءة ذلك؛ فقرأته قرأةُ الأمصار أجمعون: ﴿فُزِّعَ﴾ بالزايِ والعينِ. على التأويل الذي ذكرناه عن ابن مسعودٍ، ومن قال نحو قوله في ذلك. وروى عن الحسن البصرى أنه قرأ ذلك: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عن قُلُوبهم) بالراءِ والغين (٥). على التأويل الذي ذكرناه عن ابن زيد.

وقد يُحتمل توجيه معنى قراءة الحسنِ ذلك كذلك، إلى: حتى إذا فُزِّغ عن قُلُوبهم، فصارت فارغةً مِن الفزع الذي كان حَلَّ بها. وذُكر عن مجاهد أنه قرَأ ذلك: (فَزَّع) بمعنى: كشَف اللهُ الفَزَعَ عنها (٦).


(١) في الأصل: "له".
(٢) في الأصل: "كان".
(٣) سقط من: م، ت ١، ت ٢.
(٤) ينظر معاني القرآن للفراء ٢/ ٣٦١.
(٥) وهى قراءة شاذة.
(٦) ينظر المحتسب ٢/ ١٩١، ١٩٢، والبحر المحيط ٧/ ٢٧٨.