للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن كلَّ كتابٍ أُنْزِل مِن السماءِ قبْلَ الفُرْقانِ، فإنه يأْمرُ بالعملِ بالفُرْقانِ عندَ نُزُولِه، وباتِّباع مَن جاء به، وذلك عملُ مَن أقرَّ بمحمدٍ ، وبما جاء به، وعَمِل بما دعاه إليه، بما في الفرقانِ وبما في غيرِه من الكُتُبِ التي أُنْزِلت قَبْلَه.

وإنما قلنا (١): عُنى بقوله: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ﴾. الكُتُبُ التي ذكَرْنا؛ لأن الله جلَّ ثناؤُه قال لنبيِّه محمدٍ : ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾. ثم أَتْبَع ذلك قولَه: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا﴾. فكان معلُومًا - إذ كان معنى الميراثِ إنما هو انْتِقالُ معنىً مِن قومٍ إلى آخرين، ولم تكن أُمَّةٌ على عَهْدِ نبيِّنا انْتَقل إليهم كتابٌ مِن قومٍ كان (٢) قَبْلَهم غيَر أُمَّتِه - أن ذلك معناه. وإذ كان ذلك كذلك، فَبَيِّنٌ أن المصطفَيْنَ مِن عبادِه هم مؤمِنو أُمَّتِه، وأمَّا الظالمُ لنفْسِه، فإنه لأن يكونَ مِن (٣) أهلِ الذُّنوبِ والمعاصِي، التي هي دونَ النفاقِ والشِّرْكِ عندِى، أشبَهُ بمعنى الآيةِ، مِن أن يكونَ المنافقَ أو الكافرَ، وذلك أن الله تعالى ذكْرُه أَتْبَع هذه الآيةَ قولَه: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾. فعمَّ بدُخُولِ الجنَّةِ جميعَ الأصنافِ الثلاثةِ.

فإن قال قائلٌ: فإن قولَه: ﴿ويَدْخُلُونَهَا﴾. إنما عُنى به: المُقتصدُ والسابقُ. قِيل له: وما بُرْهانُك على أن ذلك كذلك مِن خبرٍ أو عقلٍ؟ فإن قال: قيامُ الحُجَّةِ، بأن الظالمَ مِن هذه الأمَّةِ سيدخلُ (٤) النارَ، ولو لم يَدْخُلِ النارَ من هذه الأصنافِ الثلاثةِ أحدٌ، وجَب ألا يكونَ لأهلِ الإيمانِ وَعيدٌ. قيل: إنه ليس في الآيةِ خبرٌ


(١) في م، ت ١: "قيل".
(٢) في م: "كانوا".
(٣) سقط من: الأصل.
(٤) في الأصل، ت ١: "سيدخلون".