للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ: إن قال لنا قائلٌ: أوَ لم يكُنْ رسولُ اللهِ يَعلَمُ أن اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأن اللهَ له مُلكُ السماواتِ والأرضِ حتى قيل له ذلك؟

قيل: بَلَي، فقد كان بعضُهم يقولُ: إنما ذلك مِن اللهِ جل ثناؤه خبرٌ عن أن محمدًا قد علِم ذلك، ولكنه (١) أَخْرَجَ الكلامَ مُخْرَجَ التقريرِ، كما تفعَلُ مثلَه العربُ في خطابِ بعضِها بعضًا، فيقولُ أحدُهم لصاحبِه: ألم أُكْرِمْك، ألم أُفْضِلْ (٢) عليك. بمعنى إخبارِه أنه قد أكرَمَه وأَفضَل (٣) عليه. يُرِيدُ: أليس قد أكرمتُك، أليس قد أفْضلْتُ (٤) عليك. بمعنى: قد علِمتَ ذلك.

قال: وهذا قولٌ (٥) لا وجهَ له عندنا، وذلك أن قولَه جل ثناؤه: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾. إنما معناه: أمَا عَلِمتَ. وهو حَرْفُ جَحْدٍ أُدخِلَ عليه حرفُ استفهامٍ، وحروفُ الاستفهامِ إنما تَدْخُلُ في الكلامِ؛ إمَّا بمعنى الاسْتِثْباتِ، وإمَّا بمعنى النفىِ، فأمَّا بمعنى الإثباتِ، فذلك غيرُ معروفٍ في كلامِ العربِ، ولا سيَّما إذا أُدخِلتْ على حروفِ الجحدِ، ولكنَّ ذلك عندي، وإن كان ظهَر ظُهورَ الخطابِ للنبيِّ ، فإنما هو مَعْنِيٌّ به أصحابُه الذين قال لهم (٦) اللهُ جل ثناؤه: ﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا﴾. والذى يَدُلُّ على أنَّ ذلك كذلك قولُه جل ثناؤه: ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾. فعاد بالخطابِ في آخرِ الآيةِ إلى جميعِهم، وقد ابتدأ أوَّلَها بخطابِ النبيِّ بقولِه: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. لأنَّ المرادَ بذلك الذين وصَفتُ أمرَهم مِن أصحابِه، وذلك مِن كلامِ


(١) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "قد".
(٢) في م: "أتفضل".
(٣) في م: "تفضل".
(٤) في م: "تفضلت".
(٥) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٦) سقط من: م.