ما يدَّعون مسلَّمٌ خالصٌ حقًّا، كأنه قيل: قاله قولًا. والوجهُ الثاني: أن يكونَ قولُه: ﴿سَلَامٌ﴾ مرفوعًا على المدح، بمعنى: هو سلامٌ لهم قولًا مِن الله. وقد ذُكر أنها في قراءة عبد اللهِ:(سَلامًا قَوْلًا)(١) على أن الخبرَ مُتَنَاهٍ عندَ قولِه: ﴿وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ﴾، ثم نصَب (سَلامًا) على التوكيد، بمعنى:: مُسَلَّمًا قولًا.
وكان بعضُ نحويِّى البصرة يقولُ: انتَصَب ﴿قَوْلًا﴾ على البدل من اللفظِ بالفعلِ، كأنه قال: أقولُ ذلك قولًا. قال: ومَن نصَبها نصَبها على خبر المعرفة على قولِه: ﴿وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ﴾.
والذى هو أولى بالصوابِ -على ما جاء به الخبرُ عن محمدِ بن كعبٍ القُرَظِىِّ- أن يكونَ: ﴿سَلَامٌ﴾ خبرًا لقولِه: ﴿وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ﴾، فيكونُ معنى ذلك: ولهم فيها ما يدَّعون، وذلك هو سلامٌ من الله عليهم، بمعنى: تسليمٌ من الله، ويكونُ ﴿سَلَامٌ﴾ ترجمةً عما يدَّعون، ويكونُ القولُ خارجًا من قولِه: ﴿سَلَامٌ﴾.
وإنما قلتُ ذلك أولَى بالصوابِ؛ لما حدَّثنا به إبراهيمُ بنُ سعيدٍ الجوهرىُّ، قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقرِئُ، عن حَرْملةَ، عن سليمانَ بن حُمَيدٍ، قال: سمعتُ محمدَ بنَ كعبٍ يحدِّثُ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ، قال: إذا فرَغ اللهُ مِن أهل الجنةِ وأهلِ النارِ، أقبَل يَمْشِى فى ظُلَلٍ مِن الغَمام والملائكةِ، فيَقِفُ على أول أهل درجةٍ، فيُسَلِّمُ عليهم، فيَرُدُّون عليه السلامَ، وهو في القرآن: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾، فيقولُ: سَلُوا. فيقولون: ما نسألُك؟ وعِزَّتِك وجلالِك لو أنك قَسَمْتَ بينَنا أرزاقَ الثَّقَلَين لأطعَمْناهم وسَقَيناهم وكَسَوناهم. فيقولُ: سَلُوا. فيقولون: نسألُك رضاك. فيقولُ: رِضائى أحَلَّكم دارَ كَرامتى. فيَفْعَلُ ذلك بأهلِ كلِّ درجةٍ حتى
(١) ينظر مختصر الشواذ ص ١٢٦، والبحر المحيط ٧/ ٣٤٣.