للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمن بنُ محمدٍ المُحاربيُّ، عن إسماعيلَ بنِ رافعٍ، عمَّن حدَّثه، عن محمدِ بنِ كعبٍ القُرَظِيِّ، عن أبي هريرةَ، أن رسولَ اللهِ قال: "إذا كان يوم القيامة أمَر الله جهنمَ، فيَخْرُجُ منها عُنُقٌ ساطِعٌ مُظْلِمٌ، ثم يقولُ: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾، امْتَازُوا اليوم أيُّها المجرمون. فيَتَمَيَّزُ الناسُ ويَجْثُون، وهى قولُ اللهِ: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ " (١) [الجاثية: ٢٨].

فتأويلُ الكلام إذن: وتَمَيَّزوا من المؤمنين اليوم أيُّها الكافرون باللهِ، فإنكم واردون غيرَ مَوْرِدِهم، وداخلون غير مَدْخَلِهم.

وقولُه: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، وفى الكلام متروكٌ استُغْنِى بدلالة الكلام عليه منه، وهو: ثُم يقالُ: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ﴾. يقولُ: ألم أُوصِكم وآمُرْكم في الدنيا ألا تَعْبُدوا الشيطان، فتُطيعوه في معصية الله؟! ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾. يقولُ: وأقولُ لكم: إن الشيطان لكم عدوٌّ مبينٌ، قد أبان لكم عداوتَه، بامتناعه من السجودِ لأبيكم آدمَ؛ حسدًا منه له على ما كان الله أعطاه من الكرامةِ، وغُرورَه إياه، حتى أخرَجه وزوجتَه من الجنةِ.

وقولُه: ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾. يقولُ: وألم أَعْهَدْ إليكم أن اعبُدونى دونَ كلِّ ما سواى من الآلهةِ والأنداد، وإياى فأطيعوا؛ فإن إخلاصَ


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ٦/ ٥٧١ عن المصنف. وهو جزء من حديث طويل تقدم تخريجه في ٣/ ٦١١ - ٦١٣.