للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأويلُ الكلامِ إذن: أو لم يَرَ هذا الإنسانُ الذى يقولُ: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ أنَّا خلَقناه مِن نطفةٍ فسَوَّيناه خلقًا سَوِيًّا، ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ﴾. يقولُ: فإذا هو ذو خُصُومةٍ لربِّه، يُخاصِمُه فيما قال له ربُّه إنى فاعلٌ، وذلك إخبارُ اللهِ إيَّاه أنه مُحْيى خلقِه بعدَ مماتِهم، فيقولُ: مَن يُحْيِى هذه العظامَ وهى رَمِيمٌ؟ إنكارًا منه لقُدرةِ اللهِ على إحْيائِها.

وقولُه: ﴿مُبِينٌ﴾. يقولُ: يَبينُ لمَن سمِع خُصومتَه وقيلَه ذلك، أنه مخاصمٌ ربَّه الذى خلَقه.

وقولُه: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾. يقولُ: ومَثَّل لنا شَبَهًا بقولِه: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ إذ كان لا يقدِرُ على إحياءِ ذلك أحدٌ، يقولُ: فجعَلَنا كمَن لا يقدرُ على إحياءِ ذلك مِن الخلقِ، ﴿وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾. يقولُ: ونسِى خَلْقَنا إيَّاه كيف خلَقناه، وأنه لم يَكُنْ إلا نطفةً، فجعَلناها خَلْقًا سَوِيًّا ناطقًا. [يقولُ: فلم يُفكِّرْ فى خَلْقِناه، فيعلمَ أن مَن خَلَقه مِن نطفةٍ حتى صار بَشَرًا سويًّا ناطقًا] (١) مُتَصَرِّفًا، لا يَعْجِزُ أن يُعِيدَ الأمواتَ أحياءً، والعظامَ الرَّميمَ بَشَرًا كهيئتِهم التى كانوا بها قبلَ الفناءِ، يقولُ اللهُ ﷿ لنبيِّه محمدٍ : ﴿قُلْ﴾ لهذا المشركِ القائلِ لك: مَن يُحْيِى العظامَ وهى رَمِيمٌ: ﴿يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾. يقولُ: يُحْيِيها الذى ابتدَع خَلْقَها أولَ مرةٍ ولم تَكُنْ شيئًا، ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾. يقولُ: وهو بجميعِ خلقِه ذو علمٍ؛ كيف يميتُ، وكيف يُحْيى، وكيف يُبْدِئُ، وكيف يُعيدُ، لا يَخْفَى عليه شيءٌ مِن أمرِ خلقه.


(١) سقط من: الأصل.