للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنى يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: أخبَرنى ابنُ لَهيعةَ، عن محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن عُروةَ، عن عائشةَ، أنها قالت: سمِعتُ رسولَ اللهِ يقولُ: "إن الملائكةَ تَنزِلُ فى العَنانِ وهو السَّحابُ، فتَذكُرُ الأمرَ (١) قُضِى فى السماءِ، فتَسترِقُ الشياطينُ السمعَ، فتسمَعُه، فتُوحيه إلى الكُهّانِ، فيُكذِبون معَها مائةَ كِذْبةٍ مِن عندِ أنفسِهم" (٢). فهذه الأخبارُ تُنْبئُ عن أن الشياطينَ تَتَسمَّعُ، ولكنها تُرْمَى بالشُّهُبِ لئلا تَسمَعَ.

فإن ظنَّ ظانٌّ أنه لما كان فى الكلامِ "إلى"، كان التسمُّعُ أولى بالكلامِ مِن السمعِ، فإن الأمرَ فى ذلك بخلافِ ما ظنَّ، وذلك أن العربَ تقولُ: سمِعتُ فلانًا يقولُ كذا، وسمِعتُ إلى فلانٍ يقولُ كذا، وسمِعتُ من فلانٍ.

وتأويلُ الكلامِ: إنا زيَّنَّا السماءَ الدنيا بزينةِ الكواكبِ، وحفظًا من كلِّ شيطانٍ ماردٍ أن لا يَسَّمَّعَ إلى الملأ الأعلى. فحُذِفت "أن" اكتفاءً بدلالةِ الكلامِ عليها، كما قيل: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [الشعراء: ٢٠٠، ٢٠١]. بمعنى: أن لا يؤمنوا به. ولو كان مكانَ ﴿لَا﴾ "أن"، لكان فصيحًا. كما قيل: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦]. بمعنى: أن لا تَضِلُّوا. وكما قال: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥]. بمعنى: أن لا تميدَ بكم. والعربُ قد تَجزِمُ مع "لا" فى مثلِ هذا الموضعِ الكلامَ، فتقولُ: ربطتُ الفرسَ لا يَنْفَلِتْ. كما قال بعضُ بنى عُقَيلٍ (٣):


(١) فى م: "ما".
(٢) أخرجه البخارى (٣٢١٠) من طريق محمد بن عبد الرحمن به، وأخرجه مسلم (٢٢٢٨)، وابن حبان (٦١٣٦)، وابن منده فى الإيمان (٦٩٩) من طريق عروة به.
(٣) البيت من شواهد الفراء فى المعانى ٢/ ٣٨٣، قال: وأنشدنى بعض بنى عقيل. فذكره.=