للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولُه: ﴿مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ﴾. فإنه يَعنى بإسلامِ الوجهِ التذلُّلَ لطاعتِه والإذعانَ لأمرِه. وأصْلُ الإسلامِ الاستسلامُ، لأنه مِن: اسْتَسْلَمتُ له (١). وهو الخُضوعُ لأمرِه. وإنما سُمِّىَ المسلمُ مسلمًا؛ لخضوعِ جوارحِه لطاعةِ ربِّه.

كما حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ قولَه: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾. يقولُ: أَخْلَصَ للهِ (٢).

وكما قال زيدُ بنُ عمرِو بنِ نُفَيلٍ (٣):

[وأَسْلَمْتُ] (٤) وَجْهِى لمن أسْلَمَتْ … له المُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلالا

يعنى بذلك: اسْتَسْلَمْتُ لطاعةِ من اسْتَسْلَم لطاعتِه المُزْنُ وانقَدْتُ (٥) له.

وخصَّ اللهُ جل ثناؤُه بالخبرِ عمن أخبرَ عنه بقولِه: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ بإسلامِ وجهِه له دون سائرِ جوارحِه؛ لأن أكرمَ أعضاءِ ابنِ آدمَ وجوارحِه وجهُه، وهو أعظمُها عليه حرمةً وحقًّا، فإذا خضَع لشيءٍ وجهُه الذي هو أكرمُ أجزاءِ جسدِه عليه، فغيرُه من أجزأءِ جسدِه أَحْرَى أن يكونَ [قد خَضَعَ] (٦) له. ولذلك تَذْكرُ العربُ في مَنْطقِها الخبرَ عن الشيءِ فتُضِيفُه إلى وجهِه، وهى تعني بذلك نَفْسَ الشيءِ وعَيْنَه، كقولِ الأعْشَى (٧):


(١) في م: "لأمره".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٠٨ عقب الأثر (١٠٩٩) من طريق ابن أبي جعفر به.
(٣) سيرة ابن هشام ١/ ٢٣١، والأغاني ٣/ ١٢٨.
(٤) في الأصل، ت ٢، والأغاني: "أسلمت".
(٥) في م ت ١، ت، ٢، ت ٣: "انقادت".
(٦) في م: "أخضع".
(٧) ديوانه ص ١٤٣.