للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنَاصٍ﴾.

يقولً تعالى ذكرُه: كثيرًا أهلكنا من قبلِ هؤلاء المشركين من قريشٍ، الذين كذَّبوا رسولنا محمدًا فيما جاءهم به من عندِنا من الحقِّ - ﴿مِّن قَرْنٍ﴾. يعني: من الأمم الذين كانوا قبلهَم، فسلَكوا سبيلَهم في تكذيب رسلهم فيما أتَوهم به من عندِ اللهِ، ﴿فَنَادَوا﴾. يقولُ: فعَجُّوا إلى ربِّهم، وضجُّوا واستغاثُوا بالتوبة إليه حين نزَل بهم بأسُ اللَّهِ، وعاينُوا به عذابَه، فرارًا من عقابِه، وهربًا من أليمِ عذابِه، ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾. يقولُ: وليس ذلك حينَ فرارٍ ولا هربٍ من العذابِ بالتوبةِ وقد حقَّت كلمة العذابِ عليهم، وتابوا حينَ لا تنفعُهم التوبةُ، واستقالُوا في غيرِ وقت الإقالِة.

وقوله: ﴿مَنَاصٍ﴾: مَفْعَلٌ من النَّوْصِ، والنوصُ في كلامِ العربِ التأخرُ، والمناصُ المَفْرُ (١)؛ ومنه قولُ امرئِ القيسِ (٢):

أمِنْ ذكرٍ سَلمَى إِذْ نَأَتْكَ تَنُوصُ … فتَقصُرُ عنها خُطوَةً أو تبوصُ

يقولُ: أو تَقَدَّمُ. يقالُ من ذلك: ناصَنى فلانٌ. إذا ذَهب عنك، وباصَني. إذا سبَقك، وناض في البلادِ. إذا ذَهب فيها، بالضادِ. وذكر الفراءُ أن العقيليَّ أنشَده:

إذا عاشَ إِسْحَاقٌ وَشَيْخُهُ لم أُبَلْ … فَقِيدًا وَلَمْ يَصْعُبْ عَلَىَّ مَناضُ

ولَوْ أَشْرَفَتْ مِنْ كُفَّةِ السِّتْرِ عاطِلًا … لَقُلْتُ غَزَالٌ ما عَلَيْهِ خُضَاضُ

والخضاض: الحليُّ.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) بعده في ت ٢، ت ٣: "يقال منه: قد ناص فلان ينوص نوصا فأما البوص فالتقدم".
(٢) ديوانه ص ١٧٧.