للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتَزيدين الجاهلَ جهلًا. قال: ثم رجَع حتى عطِش عطشًا شديدًا، ثم أتاها فقال: إنكِ لشرابٌ طيبٌ، إلا أنك تُصْبِين الحليمَ وتَزيدين الجاهلَ جهلًا. قال: ثم شَرِبها حتى غلَبت على عقلِه، قال: فأُرِى الخاتمَ أو خُتِم به بين كتفيه، فذلَّ، قال: فكان مُلكُه في خاتمِه، فأتى به سليمانُ، فقال: إنَّا قد أمِرْنا ببناءِ هذا البيتِ، وقيل لنا: لا يُسْمَعَنَّ فيه صوتُ حديدٍ. قال: فأتى ببيض الهدهدِ، فجعَل عليه زجاجةً. فجاء الهدهُد، فدار حولَها، فجعَل يَرَى بيضه ولا يَقْدِرُ عليه، فذهب فجاء بالماسِ، فوضعه عليه، فقطَعها به، حتى أفضَى إلى بيضِه، فأخذ الماسَ، فجعلوا يَقْطَعون به الحجارةَ، فكان سليمانُ إذا أراد أن يَدْخُلَ الخلاء أو الحمَّامَ لم يَدْخُلُ بخاتمِه، فانطَلَق يومًا إلى الحمَّامِ، وذلك الشيطانُ صخرٌ معه، وذلك عند مقارفةِ ذنب قارَف فيه بعضَ نسائِه. قال: فدخَل الحمَّامَ (١)، وأعطى الشيطانَ خاتمَه، فألقاه (٢) في البحرِ، فالتقمَته سمكةٌ، ونُزع مُلكُ سليمانَ منه، وأُلْقِى على الشيطانِ شَبَه سليمان. قال: فجاء فقعد على كرسيِّه وسريره، وسُلِّط على مُلكِ سليمان كله غيرَ نسائِه. قال: فجعَل يَقْضى بينَهم، وجعلوا يُنكرون منه أشياءَ، حتى قالوا: لقد فُتِن نبيُّ الله. وكان فيهم رجلٌ يُشَبِّهونَه بعمرَ بن الخطَّابِ في القوَّةِ، فقال: واللَّهِ لأُجَرِّبَنَّه. قال: فقال له: يا نبيَّ الله، وهو لا يرى إلا أنه نبيُّ الله، أحدنا تُصيبه الجنابة في الليلة الباردة، فيَدَعُ الغُسْل عمدًا حتى تَطْلُعَ الشمسُ، أَتَرى عليه بأسًا؟ قال: لا. قال: فبينا هو كذلك أربعين ليلةً حتى وجد نبيُّ اللهِ خاتمه في بطنِ سمكةٍ، فأقبل فجعَل لا يَسْتَقْبِلُه جنيٌّ ولا طيرٌ إلا سجَد له، حتى انتهَى إليهم: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾. قال: هو الشيطانُ صخرٌ (٣).


(١) بعده في ت ٢: "يوما".
(٢) في ص، ت ١: "فألقى".
(٣) ذكره ابن كثير في تفسيره ٧/ ٥٨ عن سعيد بن أبي عروبة به. وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ١٦٤ ومصنفه (٩٧٥٣) عن معمر عن قتادة. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٣١١، ٣١٢ إلى عبد =