للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله لمَّا خَلَقَ آدمَ مسَح ظهرَه، فأخرَج كلَّ نَسَمَةٍ هي كائنةٌ إلى يومِ القيامِة، ثم أسْكَنه بعدَ ذلك الجنةَ، وخَلَق بعدَ ذلك حواءَ من ضِلَعٍ مِن أضْلاعِه (١)، فهذا قولٌ. والآخرُ: أن العربَ ربَّما أخبَر الرجلُ منهم عن رجلٍ بفعلَين، فيَرُدُّ الأولَ منهما في المعنى بـ "ثم"، إذا كان مِن خبرِ المتكلمِ، كما يقالُ: قد بلَغنى ما كان منك اليومَ، ثم ما كان منك أمسِ أعجبُ. فذلك نَسَقٌ من خبر المتكلم، والوجه الآخرُ: أن يكونَ خلقُه الزوجَ مردودًا على ﴿وَاحِدَةٍ﴾ كأنه قيل: خلَقكم من نفسٍ وحدَها، ثم جعَل منها زوجَها. فيكون في ﴿وَاحِدَةٍ﴾ معنى: خلَقها وحدَها، كما قال الراجزُ (٢):

أعْدَدْتَه للخضمِ ذى التَّعَدِّى

كَوَّحْتَه منك بدونِ الجَهْدِ

بمعنى: الذي إذا تَعَدَّى كوَّحْتَه، ومعنى: كَوَّحْتَه: غَلَبْتَه.

والقولُ الذي يقولُه أهلُ العلمِ أَولى بالصوابِ، وهو القولُ الأَوَّلُ الذي ذكرتُ أنه يقالُ: إن الله أخرَج ذريةَ آدمَ مِن صُلْبِه قبل أن يخلُقَ حواءَ، وبذلك جاءت الروايةُ عن جماعةٍ من أصحابِ رسولِ اللهِ ، والقولان الآخران على مذاهبِ أهلِ العربيةِ (٣).

وقولُه: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وجعَل لكم مِن الأنعامِ ثمانيةَ أزواجٍ؛ مِن الإبلِ زوجَين، ومِن البقرِ زوجَين، ومِن الضأنِ اثنَين، ومِن المعْزِ اثنَينِ، كما قال جلَّ ثناؤهُ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ


(١) ينظر ما تقدم من حديث ابن عباس وعمر بن الخطاب وغيرهما في ١٠/ ٥٤٧ وما بعدها.
(٢) معاني القرآن للفراء ٢/ ٤١٥، واللسان (ك و ح).
(٣) ينظر معاني القرآن للفراء ٢/ ٤١٤، ٤١٥.