للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾: للهِ مِلْكُهما وتَدْبيرُهما، كما يُقالُ: لفلانٍ هذه الدارُ. يَعْنى أنها له مِلْكًا، فكذلك قولُه: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾. يَعْنِى أنهما له مِلْكًا وخَلْقًا.

والمَشْرِقُ: موضعُ شُروقِ الشمسِ، وهو موضعُ طلوعِها [منه. وكذلك المغربُ: الموضعُ الذى تَغْرُبُ فيه] (١)، كما يُقالُ لموضعِ طلوعِها منه: مَطْلِعُ. بكسرِ اللَّامِ، كما بَينَّا في مَعْنَى المَسْجِدِ آنفًا.

فإن قال قائلٌ: أَوَما للهِ إلا مشرِقٌ واحدٌ ومغرِبٌ واحدٌ، حتى قِيلَ: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾؟

قيل: إن معنى ذلك غيرُ الذى ذهَبتَ إليه، وإنما معنى ذلك: وللهِ المشرِقُ الذى تَشْرُقُ منه الشمسُ كلَّ يومٍ، والمغرِبُ الذى تَغْرُبُ فيه كلَّ يومٍ. فتأويلُه إذْ كان ذلك مَعْناه: وللهِ ما بينَ قُطْرىِ الشرقِ وما بينَ قُطْرىِ المغربِ. إذ كان شروقُ الشمسِ كلَّ يومٍ مِن موضعٍ منه لا تَعودُ لشروقِها منه إلى الحولِ إلذى بعدَه، وكذلك غروبُها كلَّ يومٍ.

فإن قال قائلٌ: أَوَ ليس -وإن كان تأويلُ ذلك ما ذكرتَ- للهِ كلُّ ما دونَه، والخلقُ خلقُه؟ قيل: بَلَى.

فإن قال: فكيف خصَّ المشارقَ والمغاربَ بالخبرِ عنها أنها له في هذا الموضعِ دونَ سائرِ الأشياءِ غيرِها؟

قِيلَ: قد اخْتَلف أهلُ التأويلِ في السببِ الذى مِن أجلِه خصَّ اللهُ ذِكْرَ ذلك بما خصَّه به في هذا الموضعِ، ونحن مُبَيِّنو الذى هو أوْلَى بتأويلِ الآيةِ بعدَ ذِكْرِنا أقوالَهم في ذلك؛ فقال بعضُهم: خصَّ اللهُ ذلك بالخبرِ عنه (٢) مِن أجلِ أن اليهودَ كانت تُوَجِّهُ في صلاتِها وجوهَها قِبَلَ بيتِ المقدسِ، وكان رسولُ الله


(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.