للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استفهامٍ، فيكونَ معنى الكلامِ: أهذا كالذى جعَل للهِ أندادًا ليُضِلَّ عن سبيلِه؟ ثم اكتفَى بما قد سبَق مِن خبرِ اللهِ عن فريقِ الكفرِ به مِن أعدائِه، إذ كان مفهومًا المرادُ بالكلامِ، كما قال الشاعرُ (١):

فأُقسِمُ لو شيءٌ أتانا رسولُه … سِواكَ ولكنْ لم نَجِدْ لك مَدْفَعَا

فحذَف "لدفَعْناه" وهو مرادٌ في الكلامِ إذ كان مفهومًا عندَ السامعِ مرادُه.

وقرأ ذلك بعضُ قرأةِ المدينةِ والبصرةِ وبعضُ أهلِ الكوفةِ: ﴿أَمَّنْ﴾ بتشديدِ الميمِ (٢)، بمعنى: أم مَن هو؟ ويقولون: إنما هي ﴿أَمَّنْ﴾ استفهام اعتُرِض في الكلامِ بعدَ كلامٍ قد مضَى، فجاء بـ "أم"، فعلى هذا التأويلِ يجبُ أن يكونَ جوابُ الاستفهامِ متروكًا مِن أجلِ أنه قد جرَى الخبرُ عن فريقِ الكفرِ، وما أُعِدَّ له في الآخرةِ، ثم أُتبِع الخبرَ عن فريقِ الإيمانِ، فعُلِم بذلك المرادُ، فاستُغْنِى بمعرفةِ السامعِ بمعناه مِن ذكرِه، إذ كان معقولًا أن معناه: أهذا أفضلُ أم هذا؟

والقولُ في ذلك عندنا أنهما قراءتان قرَأ بكلِّ واحدةٍ علماءُ مِن القرأةِ، مع صحةِ كلِّ واحدةٍ منهما في التأويلِ والإعرابِ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.

وقد ذكَرنا اختلافَ المختلفِين والصوابَ مِن القول عندَنا، فيما مضَى قبلُ في معنى القانتِ، بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (٣)، غيرَ أنَّا نذكرُ بعضَ أقوالِ أهلِ التأويلِ في ذلك في هذا الموضعِ؛ ليعلمَ الناظرُ في الكتابِ اتفاقَ معنى ذلك في هذا الموضعِ وغيرِه؛ فكان بعضُهم يقولُ: هو في هذا الموضعِ قراءةُ القارئ قائمًا في الصلاةِ.


(١) تقدم في ١٢/ ٣٦٢.
(٢) هي قراءة عاصم وأبي عمرو وابن عامر والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص ٥٦١، والتيسير ص ١٥٣.
(٣) تقدم في ١٤/ ٣٩٢.