للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخلص عبادته لله لا يعبد غيره، ولا يدين لشيءٍ سواه بالربوبية.

واختلفت القرأة في قراءة قوله: ﴿وَرَجُلًا سَلَمًا﴾؛ فقرأ ذلك بعضُ قرأةِ أهل مكة والبصرة: (ورَجُلًا سالمًا لرجلٍ) (١)، وتأوَّلوه بمعنى: رجلا خالصا لرجلٍ. وقد روى ذلك أيضًا عن ابن عباس.

حدثنا أحمد بن يوسفَ، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن جرير بن حازم، عن حميد، عن مجاهد، عن ابن عباس، أنه قرأها: (سالمًا لرَجُل). يعني بالألف، وقال: ليس فيه لأحد شيءٌ (٢).

وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والكوفة: ﴿وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ﴾ (٣) بمعنى: صُلْحًا.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماءُ من القرأَةِ، مُتقاربتا المعنى، فبأيَّتِهما قرأ القارئُ فهو مصيبٌ، وذلك أن السَّلَمَ مصدرٌ، مِن قول القائل: سَلِمَ فلانٌ للهِ سَلَمًا. بمعنى: خَلَص له خُلُوصًا. تقولُ العرب: ربح فلانٌ في تجارته رِبْحًا ورَبَحًا. وسَلِمَ سِلْمًا وسَلَمًا وسلامةً، وأن السالم من صفة الرجل، وسَلَمٌ مصدرٌ من ذلك. وأما الذي توهَّمه مَن رغب عن قراءة ذلك ﴿سَلَمًا﴾ من أن معناه صُلحًا، فلا وجه للصُّلح في هذا الموضع؛ لأن الذي تقدم من صفة الآخرِ، إنما تقدَّم بالخبر عن اشتراك جماعةٍ فيه دونَ الخبر عن حربه بشيءٍ مِن الأشياء، فالواجب أن يكون الخبرُ عن مخالفه بخلوصه لواحد لا شريك له، ولا موضع للخبر عن الحرب والصُّلْحِ


(١) هي قراءة ابن كثير وأبى عمرو. ينظر السبعة ص ٥٦٢، والتيسير ص ١٣٥.
(٢) أخرجه الفراء في معاني القرآن ٢/ ٤١٩ من طريق إبراهيم التيمي عن ابن عباس، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٣٢٧ إلى ابن أبي حاتم.
(٣) هي قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. ينظر السبعة ص ٥٦٢. والتيسير ص ١٣٥.