للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المذمومين، وهم الذين دَعوهم إلى توحيدِ اللهِ، ووصفه بالصفة التي هو بها، وتصديقهم بتنزيلِ اللهِ ووَحْيِه، والذين هم كانوا كذلك يوم نزلت هذه الآيةُ؛ رسول الله وأصحابه ومن بعدهم، القائمون في كل عصر وزمان بالدعاء إلى توحيد الله، وحكم كتابه؛ لأن الله تعالى ذكره، لم يَخُصَّ وصفه بهذه الصفة التي في هذه الآية، على أشخاصٍ بعينهم (١)، ولا على أهل زمانٍ دون غيرهم، وإنما وصفهم بصفة، ثم مدحهم بها، وهى المجيء بالصدق والتصديق به، فكلُّ مَن كان ذلك وصفه، فهو داخلٌ في جملة هذه الآية، إذا كان من بنى آدم.

ومن الدليل على صحة ما قلنا، أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود: (وَالَّذِى (٢) جاءُوا بالصِّدْقِ وصدَّقُوا به) (٣)، فقد بُيِّن ذلك من قراءته، أن "الذي" من قوله: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ﴾ لم يُعْنَ بها واحد بعينه، وأنه مراد بها جماع، ذلك صفتهم، ولكنها أُخرجت بلفظ الواحد، إذ لم تَكُنْ موقتة (٤)، وقد زعم بعضُ أهل العربية من البصريين، أن (الذي) في هذا الموضع، جُعِل في معنى جماعة، بمنزلة "من"، ومما يؤيدُ ما قلنا أيضًا قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ فَجُعِل الخبرُ عن "الذي" جماعًا؛ لأنها في معنى جماع، وأما الذين قالوا: عُنِي بقوله: ﴿وَصَدَّقَ بِهِ﴾. غيرُ "الذي جاء بالصدقِ"، فقول بعيد من المفهوم؛ لأن ذلك لو كان كما قالوا، لكان التنزيل: والذي جاء بالصدقِ، والذي صدق به، أولئك هم المُتَّقُون، فكانت تكونُ "الذي" مكررةً مع التصديق، ليكونَ المصدَّقُ غيرَ


(١) في ص، م، ت ١: "بأعيانهم".
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٣: "والذين".
(٣) ينظر البحر المحيط ٧/ ٤٢٨، وقد ورد القراءة في مختصر الشواذ ص ١٣٢: "والذي جاء"، وفى البغوي ٧/ ١٢٠: "والذين جاءوا".
(٤) أي محددة. ينظر تاج العروس (و ق ت).