للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رأينا مَن أصاب شيئًا منها قلنا: قد هلَك. حتى نزلت هذه الآيةُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨]. فلما نزَلت هذه الآيةُ كَفَفْنا عن القولِ في مثلِ (١) ذلك، فكُنَّا إذا رأَيْنا أحدًا أصاب منها شيئًا خِفْنا عليه، وإن لم يُصِبْ منها شيئًا رجَونا له (٢).

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: عَنى اللهُ تعالى ذكرُه بذلك جميعَ من أسرَف على نفسِه من أهلِ الإيمانِ والشركِ؛ لأن الله عمَّ بقولِه: ﴿يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ جميعَ المسرفين، فلم يخصُصْ به مسرفًا دونَ مسرفٍ.

فإن قال قائلٌ: يغفرُ اللهُ الشركَ؟ قيل: نعم، إذا تاب منه المشركُ. وإنما عنَى بقولِه: (إن الله يغفرُ الذنوبَ جميعًا لمن يشاءُ) (٣)، كما قد ذكَرنا قبلُ أنَّ ابنَ مسعودٍ كان يقرؤه، وأنَّ الله قد استثنى منه الشركَ إذا لم يُتبْ منه صاحبُه، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾، فأخبَر أنه لا يغفرُ الشركَ إلا بعدَ توبةٍ بقولِه: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠]. فأما ما عدَاه، فإن صاحبَه في مشيئةِ ربِّه، إن شاء تفضَّل عليه، فعفا له عنه، وإن شاء عدَل عليه، فجازاه به.

وأما قولُه: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾. فإنه يعني: لا تيأسوا من رحمةِ اللهِ، كذلك حدَّثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس.


(١) زيادة من: ت ١، ت ٢.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره ٧/ ١٢٦ عن مقاتل به.
(٣) ينظر مختصر الشواذ ص ١٣٢.