للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واخْتَلَفَتِ القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿أَوْ (١) أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾؛ فقرأ ذلك عامةُ قرأةِ المدينةِ والشامِ والبصرةِ: (وأنْ يُظْهِرَ في الأرضِ الفسادَ). بغيرِ ألفٍ، وكذلك ذلك في مصاحف أهلِ المدينةِ.

وقرأ ذلك عامّة قرأةِ الكوفةِ: ﴿أَوْ أَنْ﴾ بالألفِ، وكذلك ذلك في مصاحفِهم، (يَظْهَرَ في الأرضِ) بفتحِ الياءِ ورفعِ الفسادِ (٢).

والصوابُ مِن القول في ذلك عندَنا أنهما قِراءَتان مَشْهورتان في قَرَأَةِ الأمصارِ، مُتَقارِبَتا المعنى؛ وذلك أن الفسادَ إذا أظْهَرَه مُظْهِرٌ، كان ظاهرًا، وإذا ظهَر فبإظهارِ مُظْهِرٍ (٣) يَظْهَرُ، ففى القراءةِ بإحدى القراءتَيْن في ذلك دليل (٤) على صحةِ معنى الأُخرى. وأمَّا القراءةُ في ﴿أَوْ أَنْ يُظْهِرَ﴾ بالألفِ وبحذفِها، فإنهما أيضًا مُتَقارِبَتا المعنى؛ وذلك أن الشيءَ إذا بُدِّل إلى خِلافِه، فلا شكَّ أن خِلافَه المبدَّلَ إليه الأوَّلُ هو الظاهرُ دُونَ المبدَّلِ، فَسَوَاءٌ عُطِفَ على خبرِه عن خوفِه من موسى أن يُبَدِّلَ دينَهم، بالواوِ أو بـ "أو"؛ لأن تبديلَ دينِهم كان عندَه هو ظهورُ الفسادِ، وظهورُ الفسادِ كان عندَه هو تبديلَ الدينِ.

فتأويلُ الكلامِ إذن: إني أخافُ مِن موسى أن يُغيِّر دينَكم الذي أنتم عليه، أو أن


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "و".
(٢) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: "وأنْ يظهرَ" بغير ألفٍ قبل واو. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: (أو أنْ يظهرَ) بألفٍ قبل الواو. وقرأ نافع وأبو عمرو: (يُظْهِرَ) مضمومة الياء، (الفسادَ) نصبًا. وقرأ ابن كثير وابن عامر: (يُظْهَرَ) منصوبة الياء، (الفسادُ) رفعًا. وقرأ عاصمٍ في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: (يَظْهَرَ) بفتح الياء، (الفسادُ) رفعًا. وقرأ حفص عن عاصم: (يُظْهِرَ) برفع الياء، (الفسادَ) نصبا. ينظر السبعة في القراءات ص ٥٦٩.
(٣) في م: "مظهره".
(٤) بعده في م: "واضح".