للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتابٌ، ثم قال: ﴿فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ شغَل الفعلَ بالآياتِ حتى صارَت بمنزلةِ الفاعلِ، فنصَب "القرآنَ". وقال: ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾. على أنه صفةٌ (١)، وإن شئتَ جعلتَ نصبَه على المدحِ، كأنه حينَ ذكَره أقبَل في مدحِه (٢)، فقال: ذكَرنا قرآنًا عربيًّا بشيرًا ونذيرًا، وذكَرناه قرآنًا عربيًّا. وكان فيما مضَى مِن ذكرِه، دليلٌ على ما أضمرَ.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: نصَب ﴿قُرْآنًا﴾ على الفعلِ، أي: فُصِّلت آياتُه كذلك. قال: وقد يكونُ النصبُ فيه على القطعِ؛ لأن الكلامَ تامٌّ عندَ قولِه: ﴿آيَاتُهُ﴾. قال: ولو كان رفعًا على أنه مِن نعتِ "الكتابِ" كان صوابًا، كما قال في موضعٍ آخرَ: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ [ص: ٢٩].

قال (٣): وكذلك قولُه: ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ فيه ما في ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ (٤).

وقولُه: ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾. يقولُ: فُصِّلت آياتُ هذا الكتابِ قرآنًا عربيًّا لقومٍ يعلَمون اللسانَ العربيَّ، ﴿بَشِيرًا﴾ لهم يُبَشِّرُهم إن هم آمَنوا به، وعمِلوا بما أُنزل فيه مِن حدودِ اللهِ وفرائضِه - بالجنةِ، ﴿وَنَذِيرًا﴾. يقولُ: ومُنْذِرًا مَن كذَّب به ولم يعملْ بما فيه، بأسَ (٥) اللهِ في عاجلِ الدنيا، وخلودَ الأبدِ في نارِ جهنمَ في آجلِ الآخرةِ.

وقولُه: ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فاستكبَر عن الإصْغاءِ له، وتَدبُّرِ ما فيه مِن حُجَجِ اللهِ، وأعرَض عنه، أكثرُ هؤلاء القومِ الذين أَنزل [اللهُ إليهم] (٦) هذا القرآنَ بشيرًا لهم ونذيرًا، وهم قومُ رسولِ اللهِ ، ﴿فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾. يقولُ: فهم لا يُصْغُون له فيسْمَعوه؛ إعراضًا عنه واستكبارًا.


(١) في ت ١: "صفته".
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "مدحته".
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "وقال".
(٤) ينظر معاني القرآن للفراء ٣/ ١٢.
(٥) في ص، م، ت ٢: "بأمر".
(٦) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.