للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: عُنِى بها أنها (١) مشائيمُ ذاتُ نحوسٍ؛ لأن ذلك هو المعروفُ من معنى النحسِ في كلامِ العربِ.

وقد اختلَفت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأته عامَّة قرأةِ الأمصارِ، غيرَ نافعٍ وأبى عمرٍو: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ بكسرِ الحاءِ. وقرَأه نافعٌ وأبو عمرٍو: (نَحْساتٍ) بسكونِ الحاء. وكان أبو عمرٍو، فيما ذُكر لنا عنه، يحتجُّ لتسكينهِ الحاءَ بقولِه: ﴿يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ [القمر: ١٩]. وأن الحاءَ فيه ساكنةٌ (٢).

والصوابُ من القولِ في ذلك أن يقالَ: إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما علماءُ من القرأةِ مع اتفاقِ معنيَيهما، وذلك أن تحريكَ الحاءِ وتسكينَها في ذلك لغتانِ معروفَتانِ، يقالُ: هذا يوم نحِسٌ، ويومٌ نَحْسٌ. بكسرِ الحاءِ وسكونِها، قال الفرَّاءُ: أنشَدني بعضُ العربِ:

أبْلِغْ جُذَامًا وَلَخْمًا أنَّ إخْوَتَهُمْ … طَيًّا وبَهْرَاءَ قَوْمٌ نَصْرُهُمْ نَحِسُ (٣)

وأما من السكون فقولُ اللَّهِ: ﴿يَوْمِ نَحْسٍ﴾، ومنه قولُ الراجزِ:

يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ وَيَوْمًا شَمْسًا

نَجْمَيْنِ بالسَّعْدِ ونَجْمًا نَحْسا

فمن كان من (٤) لغتِه: يوْمُ نَحْسٌ. قال: (فِي أيامٍ نَحْساتٍ). ومن كان من (٤) لغتِهِ: يَوْمٌ نَحِسٌ قال: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾. وقد قال بعضُهم: النحِسَ بسكونِ الحاءِ: هو الشؤمُ نفسه، وإن إضافةَ اليومِ إلى النحْسِ، إنما هو إضافةٌ إلى الشؤمِ، وأن النحِسَ بكسرِ الحاءِ نعتٌ لليومِ بأنه مشئومٌ؛ ولذلك قيل: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾؛ لأنها أيامٌ مشائيمُ.


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أيام".
(٢) ينظر حجة القراءات ص ٦٣٥.
(٣) معاني القرآن للفراء ٣/ ١٤.
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "في".