للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾. قال: أعلَمْناهم الهدى والضلالة، ونهيناهم أن يتَّبعوا الضلالةَ، وأمرناهم أن يتَّبِعوا الهدى.

وقد اختلَفت القرأةُ في قراءةِ قوله: ﴿ثَمُودُ﴾؛ فقرَأته عامةُ قرأةِ الأمصارِ غيرَ الأعمشِ وعبد اللَّهِ بن أبي إسحاقَ برفعِ "ثمودُ"، وتركِ إجرائِها، على أنها اسمٌ للأمةِ التي تُعرَفُ بذلك. وأما الأعمشُ فإنه ذُكِر عنه أنه كان يُجرِى ذلك في القرآنِ كلِّه إلا في قولِه: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ٥٩]. فإنه كان لا يُجريه في هذا الموضعِ خاصةً من أجلِ أنه في خطِّ المصحفِ في هذا الموضعِ بغيرِ ألفٍ، وكان يوجهُ "ثمودَ" إلى أنه اسمُ رجلٍ بعينِه معروفٍ، أو اسمُ جبلٍ (١) معروفٍ. وأما ابن إسحاقَ فإنه كان يقرؤُه: (وأما ثمود) نصبًا بغيرِ إجراءٍ (٢).

وذلك وإن كان له في العربية وجهٌ (٣)، فإن أفصحَ منه وأصحَّ في الإعرابِ عندَ أهلِ العربيةِ الرفعُ؛ لطلبِ "أمّا" الأسماءَ، وأن الأفعالَ لا تليها، وإنما تُعمِلُ العربُ الأفعالَ التي بعدَ الأسماءِ فيها إذا حسُن تقديمُها قبلَها، والفعلُ في "أمَّا" لا يحسُنُ تقديمهُ قبلَ الاسمِ، ألا ترَى أنه لا يقالُ: وأما هدَينا فثمودَ. كما يقالُ: (وأمَّا ثَمُودَ فَهَديْناهُمْ).

والصوابُ من القراءةِ في ذلك عندنا الرفعُ وتركُ الإجراءِ، أما الرفعُ فلِما وصَفتُ، وأما تركُ الإجراءِ فلأنه اسمُ الأمةِ (٤).

وقولُه: ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾. يقولُ: فاختاروا العمَى على البيانِ الذي بيَّنتُ لهم، والهدى الذي عرَّفتُهم، بأخذِهم طريقَ الضلالِ ﴿عَلَى الْهُدَى﴾.

يعنى: على البيانِ الذي بيَّنْتُه (٥) لهم، من توحيدِ اللَّهِ.


(١) في ص، م، ت ٢، ت ٣: "جيل".
(٢) ينظر مختصر الشواذ ص ١٣٤، والإتحاف ص ٢٣٥.
(٣) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "معروف".
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣ "للأمة".
(٥) في الأصل: "بينه".