للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصلاة ما بيَن الأذانِ إلى الإقامةِ (١).

وقولُه: ﴿وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣)﴾. يقولُ: وقال: إننى ممن خضَع للَّهِ بالطاعةِ، وذلَّ له بالعبودةِ، وخشَع له بالإيمانِ بوحدانيتِه.

وقوله: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ولا تَسْتَوِى حسنةُ الذين قالوا: ﴿رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، فأحسَنوا في قولِهم، وإجابتِهم ربَّهم إلى ما دعاهم إليه من طاعتِه، ودعَوا عبادَ اللَّهِ إلى مثلِ الذي أجابوا ربَّهم إليه، وسَيِّئةُ الذين قالوا: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦)[فصلت: ٢٦]. فكذلك لا تَسْتَوِى عندَ اللَّهِ أحوالُهم ومنازلُهم، ولكنها تَخْتَلِفُ كما وصَف جل ثناؤُه أنه خالَف بينَهما، وقال جل ثناؤُه: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ﴾. فكرَّر "لا"، والمعنى: لا تَسْتَوى الحسنةُ والسيئةُ؛ لأن كلَّ ما كان غيرَ مساوٍ شيئًا، فالشيءُ الذي هو له غيرُ مُساوٍ؛ غيرُ مُساوِيه، كما أن كلَّ [ما كان غيرَ مساويًا لشيءٍ] (٢) فالآخرُ الذي هو له مساوٍ له، فيقالُ: فلانٌ مساوٍ فلانًا، وفلانٌ له مساوٍ، فكذلك فلانٌ ليس مساويًا لفلانٍ، ولا فلانٌ مساويًا له، فلذلك كُرِّرت "لا" مع السيئةِ، ولو لم تَكُنْ مكررةً معها كان الكلامُ صحيحًا. وقد كان بعضُ نحويِّى البصرةِ يَقُولُ: يجوزُ أن يُقالَ: الثانيةُ زائدةٌ؛ يُريدُ: لا يَسْتَوِى عبدُ اللَّهِ وزيدٌ، فزِيدَت "لا" توكيدًا، كما قال: لِئَلَّا ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ﴾ [الحديد: ٢٩]. أي: لأن يَعْلَمَ، وكما قال: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢)[القيامة: ١، ٢]. وقد كان بعضُهم يُنكِرُ قولَه هذا ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾، وفى قولِه: ﴿لَا أُقْسِمُ﴾، فيقول: "لا" الثانيةُ في قولِه:


(١) أخرجه الخطيب في تاريخه ٨/ ٤٧١، ٤٧٢ من طريق داود بن سليمان به.
(٢) في ت ١: "مساوٍ بالشيء".