للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحدَّثنى موسى، قال: حدثنا عمرٌو، قال: حدثنا أسباطُ، عن السُّدىِّ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ﴾: أما الذين لا يعلَمون فهم العربُ (١).

وأوْلَى هذه الأقوالِ بالصحةِ والصوابِ قولُ القائلِ: إن اللهَ تعالى ذكرُه عَنَى بقولِه: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾. النَّصارَى دونَ غيرِهم؛ لأن ذلك فى سياقِ خبرِ اللهِ عنهم، وعن افترائِهم عليه، وادِّعائهم له ولدًا، فقال جلَّ ثناؤُه مخبرًا عنهم فيما أخْبَر عنهم مِن ضلالتِهم، أنهم مع افترائِهم على اللهِ الكذبَ بقولِهم: ﴿اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا﴾. تَمنَّوا على اللهِ الأباطيلَ، فقالوا جَهْلًا منهم باللهِ، وبمنزلتِهم عندَه، وهم باللهِ مُشْرِكون: ﴿لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ﴾ كما يُكَلِّمُ رسلَه وأنبياءَه، ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾ كما أتَتْهم. ولا يَنْبَغِى للهِ أن يُكَلِّمَ إلَّا أولياءَه، ولا يؤْتِىَ آيةً مُعْجِزةً على دَعْوَى مُدَّعٍ إلا لمَن كان مُحِقًّا فى دعواه، وداعيًا إلى دينِه (٢) وتوحيدِه. فأما مَن كان كاذبًا فى دعواه، وداعيًا إلى الفِريةِ عليه، وادِّعاءِ البنين والبناتِ له، فغيرُ جائزٍ أن يُكَلِّمَه جل ثناؤُه، أو يُؤْتِيَه آيةً مُعْجِزةً تكونُ مُؤَيدةً كَذِبَه وفِريتَه عليه.

فأمَّا (٣) الزاعمُ أنَّ اللهَ عَنَى بقولِه: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾. العربَ، فإنه قائلٌ قولًا لا خبرَ بصحتِه، ولا بُرهانَ على حقيقتِه فى ظاهرِ الكتابِ. والقولُ إذا صار إلى ذلك، كان واضحًا خطؤُه؛ لأنه ادَّعَى ما لا برهانَ على صحتِه. وادِّعاءُ مثلِ ذلك لن يَتَعذرَ على أحدٍ.

وأما معنى قولِه: ﴿لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ﴾. فإنه بمعنى: هَلَّا يُكَلِّمُنا اللهُ. كما


(١) ذكره ابن كثير فى تفسيره ١/ ٢٣٣ عن السدى.
(٢) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الله".
(٣) فى م: "وقال"، وفى ت ٢: "قول".