اللَّحْدَ والإلحادَ هو الميلُ، وقد يكونُ مَيْلًا عن آياتِ اللَّهِ وعُدولًا عنها بالتكذيبِ بها، ويَكونُ بالاستهزاءِ مُكَاءً وتَصْدِيَةً، ويكونُ مفارَقةً لها وعِنادًا، ويَكونُ تحريفًا لها وتغييرًا لمعانيها، ولا قولَ أولى بالصحةِ في ذلك مما قلْنا، وأن يُعَمَّ الخبرُ عنهم بأنهم ألحَدوا في آياتِ اللَّهِ، كما عمَّ ذلك ربُّنا ﵎.
وقوله: ﴿لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: نحن بهم عالمون لا يَخْفَون علينا، ونحن لهم بالمِرصادِ إذا ورَدوا علينا، وذلك تهديدٌ من اللَّهِ جل ثناؤُه لهم بقولِه: سيَعْلَمون عندَ ورودِهم علينا ماذا يَلْقَون من أليمِ عذابِنا.
ثم أخبَر جلَّ ثناؤُه عما هو فاعلٌ بهم عندَ ورودِهم عليه، فقال: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: لهؤلاء الذين يُلحِدون في آياتِنا اليومَ في الدنيا يومَ القيامةِ عذابُ النارِ. ثم قال اللَّهُ: أفهذا الذي يُلْقَى في النارِ خيرٌ أم من يأتى آمنا يومَ القيامة من عذابِ اللَّهِ، لإيمانه بالله ﷻ؟ هذا الكافرُ، إنه إن آمَن بآياتِ اللَّهِ، واتَّبَع أمرَ اللَّهِ ونهيَه، أمَّنه يومَ القيامةِ مما حذَّره منه من عقابِه، إن ورَد عليه يومئذٍ به كافرًا.
وقولُه: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾. وهذا أيضًا وعيدٌ من اللَّهِ لهم خرَج مَخْرَجَ الأمرِ، وكذلك كان مجاهدٌ يقولُ.
حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾. قال: هذا وعيدٌ (١).
(١) أخرجه عبد بن حميد - كما في التغليق ٤/ ٣٠٣ - عن سفيان به، وعبد الرزاق في تفسيره ٢/ ١٨٩ عن معمر عن رجل عن مجاهد، وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى سعيد بن منصور وابن المنذر.