الواحد في معنى جمع، بمنزلة الجُندِ والجيش. قال: فإن قيل: فهلَّا قلتَ: لتستووا على ظهره. فجعلت الظهر واحدًا إذا أضفته إلى واحدٍ؟ قلتُ: إن الواحد فيه معنى الجمع، فرُدَّتِ "الظهورُ" إلى المعنى، ولم يقل: ظهره. فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه واحدٌ. وكذلك تقولُ: قد كثُر نساءُ الجند. وقلت: ورفع الجندُ أعينه. ولا تَقُل: عينه. قال: وكذلك كلُّ ما أضفت إليه من الأسماء الموصوفة، فأخْرِجُها على الجمع، فإذا أضفت إليه اسمًا في معنى فعلٍ، جاز جمعه وتوحيده، مثل قولك: رفع العسكر صوته، وأصواته أجود، وجاز هذا لأن الفعل لا صورة له في الاثنين إلا كصورته في الواحد.
وقال آخر منهم: قيل: لتستووا على ظهوره؛ لأنه وصفٌ للفُلْكِ، ولكنه وحَّد الهاءَ؛ لأن الفُلكَ بتأويل جمعٍ، فجمع الظهور ووحَّد الهاء، لأن أفعال كلِّ واحدٍ تأويله الجمعُ تُوحَّدُ وتُجمَعُ، مثل: الجند منهزمٌ، ومُنْهزمون. فإذا جاءتِ الأسماء خرج على العددِ (١) لا غير، فقلت: الجندُ رجالٌ. فلذلك جمعت "الظهورُ" ووحِّدت الهاء، ولو كان مثل الصوتِ وأشباهه، جاز: الجندُ رافعٌ صوته، وأصواته.
وقوله: ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ﴾. يقول تعالى ذكره: ثم تذكروا نعمة ربِّكم التي أنعمها عليكم بتسخيره ذلك لكم مراكب في البرِّ والبحر، ﴿إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾، فتعظِّموه وتُمجِّدوه، وتقولوا تنزيها للهِ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا﴾ الذي ركبناه من هذه الفُلك والأنعام، مما يصفه به المشركون ويُشرَكُ به معه في العبادة من الأوثان والأصنام، ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾.