للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧)﴾.

يقولُ جلَّ وعزَّ: ومَن يُعْرِضْ عن ذكرِ اللَّهِ، فلم يَخَفْ سَطُوتَه، ولم يخشَ عقابَه، ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾. يقولُ: نجعلْ له شيطانًا يُغْوِيه، ﴿فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾. يقولُ: فهو للشيطانِ قرينٌ، أي يصيرُ كذلك. وأصلُ العَشْوِ: النظرُ بغيرِ ثَبَتٍ لعلةٍ في العينِ، يقالُ منه: عَشا فلانٌ يَعْشُو عُشُوا وعَشْوًا. إذا ضَعُف بصرُه، وأظلمَت عينُه كأن عليها غشاوةً، كما قال الشاعرُ (١):

متي تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِه … تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا ونارًا تَأجَّجا

يقولُ: متى تفتقرْ فتَأْتِه يغنِك (٢).

وأما إذا ذهَب البصرُ فلم يُبْصِرُ، فإنه يقالُ منه (٣): قد عَشِيَ فلانٌ يَعْشَى عَشًى. منقوصٌ، ومنه قولُ الأعشَى (٤):

رَأَتْ رَجُلًا غائبَ الوافدَيـ … ـن مُخْتَلِفَ الخَلْقِ أَعْشَى ضَرِيرًا

يقالُ منه: رجلٌ أعشَى، وامرأَةٌ عَشْواءُ.

وإنما معنى الكلامِ: ومَن لا ينظر في حُجَجِ اللَّهِ بالإعراضِ منه عنه إلا نظرًا ضعيفًا، كنَظَرِ مَن قد عَشِيَ بصرُه، ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾.


(١) كذا أورد سيبويه هذا الشاهد غير منسوب. والشطر الأول للحطيئة في ديوانه ص ١٦١ وعجزه:
* تجد خير نار عندها خير موقد *
والشطر الثاني لعبد بن الحر كما في الخزانة ٩/ ٩٠، وصدره:
* متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا *
(٢) في ص، ت ١: "يغثك"، وفى م، ت ٢، ت ٣: "يعنك".
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فيه".
(٤) ديوانه ص ٩٥.