للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتقتُ كُمَّي القميص، فبعتهما (١).

وقال الفرغاني أيضًا: كان محمد بن جرير ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات، من جاهل وحاسد، ومُلحد، فأما أهل العلم والدين فغير منكرين علمه، وزهده في الدنيا، ورفضه لها، وقناعته بما كان يرد عليه من حصة خلفها له أبوه بطبرستان يصيرة، ولما تقلد الخاقاني الوزارة وجه إليه بمال كثير، فأبى أن يقبله، فعرض عليه القضاء، فامتنع، فعاتبه أصحابه، وقالوا له: لك في هذا ثواب، وتحيى سنة قد درست. وطمعوا في أن يقبل ولاية المظالم، فانتهرهم، وقال: قد كنتُ أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه (٢).

وقال عبد العزيز بن محمد: كان عازفًا عن الدنيا، تاركًا لها ولأهلها، يرفع نفسه عن التماسها، وكان كالقارئ الذي لا يعرف إلا القرآن، وكالمحدِّث الذي لا يعرف إلا الحديث، وكالفقيه الذي لا يعرف إلا الفقه، وكالنحوي الذي لا يعرف إلا النحو، وكالحاسب الذي لا يعرف إلا الحساب، وكان عالمًا بالعبادات، جامعًا للعلوم، وإذا جمعت بين كتبه وكتب غيره وجدت لكتبه فضلًا على غيرها (٣).

وقد مدح العلماء تواضعه وسمو خلقه، قال أبو بكر بن مجاهد: بلغنا أنه التقى مع المزني، فلا تسأل كيف استظهاره عليه، والشافعيون حضور يسمعونه، ولم يذكر مما جرى بينهما شيئًا. قال أبو بكر بن كامل. سألتُ أبا جعفر عن المسألة التي تناظر فيها هو والمزني فلم يذكرها؛ لأنه كان أفضل من أن يرفع نفسه وأن يذكر ظفره على خصم في مسألة، وكان أبو جعفر يُفضِّل المزني فيطريه ويذكر دينه (٤).


(١) سير أعلام النبلاء ١٤/ ٢٧٦، ٢٧٧، طبقات الشافعية ٣/ ١٢٥.
(٢) طبقات الشافعية ٣/ ١٢٥.
(٣) معجم الأدباء: ١٨/ ٦١.
(٤) المرجع السابق ١٨/ ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>