للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس، وهو المتقدم أمام القوم، وحكى الفراء أنه سمع القاسم بنَ مَعْنٍ يَذكُرُ أنه سمع العرب تقولُ: مضَى سَلِيفٌ مِن الناسِ (١).

وقرأته عامة قرأة المدينة والبصرة وعاصم: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا﴾ بفتح السين واللام (٢). وإذا قُرِئ ذلك كذلك احتمل أن يكونَ مُرادًا به الجماعةُ والواحد، والذكر والأنثى؛ لأنه يقال للقوم: أنتم لنا سَلَفٌ. وقد يُجمعُ الخبر الذي روى عن رسول الله أنه قال: "يذهب الصالحون أسلافًا" (٣).

وكان حميدٌ الأعرج يقرأُ ذلك: (فَجَعَلْناهُمْ سُلَفا) (٤) بضم السين، وفتح اللام؛ توجيهًا منه ذلك إلى سلفةٍ من الناس، مثل (٥) أمةٍ منهم، وقطعةٍ.

وأولى القراءاتِ في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بفتح السين واللام (٦)؛ لأنها اللغة الجودى، والكلام المعروف عند العرب. وأحقُّ اللغاتِ أن يُقرأ بها كتابُ اللهِ من لغاتِ العرب أفصحُها وأشهرُها فيهم. فتأويل الكلام إذن: فجعلنا هؤلاء الذين أغرقناهم من قوم فرعونَ في البحرِ، مُقَدَّمَةً يَتَقَدَّمون إلى النارِ كفار قومك يا محمد من قريش، وكفارُ قومك لهم بالأَثَرِ.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.


(١) ينظر معاني القرآن ٣/ ٣٦.
(٢) ينظر حجة القراءات ص ٦٥٢.
(٣) أخرجه الدارمي في سننه ٢/ ٣٠١، والبخارى في التاريخ الكبير ٧/ ٤٣٤، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (٢٣٦٨، ٢٣٦٩)، والحاكم ٤/ ٤٠١، وغيرهم من حديث مرداس الأسلمى.
(٤) هي قراءة مجاهد وحميد. مختصر الشواذ ص ١٣٦.
(٥) سقط من: م. وينظر معاني القرآن للفراء ٣/ ٣٦.
(٦) القراءتان الأولى والثانية متواترتان.