للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه له بما كان يَصِفُ به نفسَه في الدنيا، وتوبيخٌ له بذلك على وجهِ الحكايةِ؛ لأنه كان في الدنيا يقولُ: إنك أنت العزيزُ الكريمُ. فقيل له في الآخرةِ، إذ عُذِّب بما عُذِّب به في النارِ: ذُقْ هذا الهوانَ اليومَ، فإنَّك كنتَ تَزْعُمُ أنك أنت العزيزُ الكريمُ، وإنَّك أنت الذليلُ المَهِينُ، فأينَ الذي كنتَ تقولُ وتدَّعى من العزِّ والكرمِ، هلَّا تَمْتَنِعُ من العذابِ بعزَّتِك!!

حدَّثنا ابن بشَّارٍ، قال: ثنا صفوانُ بنُ عيسى، قال: ثنا ابن عَجْلانَ، عن سعيدٍ المَقْبُرِيِّ، عن أبي هريرةَ، قال: قال كعبٌ: للَّهِ ثلاثةُ أثوابٍ؛ اتَّزر بالعزِّ، وتسَرْبَل الرحمةَ، وارْتَدَى الكِبرياءَ، تعالَى ذكرُه، فمَن تعزَّز بغيرِ ما أعزَّه اللَّهُ، فذاك الذي يُقالُ له (١): ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾، ومن رحِم الناسَ فذاك الذي سرْبَل اللَّهِ سربالَه الذي يَنْبَغى له، ومن تكبَّر فذاك الذي نازَع اللَّهَ رِداءَه، إن اللَّهِ تعالى ذكرُه يقولُ: لا يَنْبَغى لمن نازَعنى ردائِى أن أُدْخِلَه الجنةَ (٢).

وأجمَعت قرأةُ الأمصارِ جميعًا على كسرِ الألفِ مِن قولِه: ﴿ذُقْ إِنَّكَ﴾. على وجهِ الابتداءِ (٣)، وحكايةِ قولِ هذا القائلِ: إنى أنا العزيزُ الكريمُ. وقرَأ ذلك بعضُ المتأخِّرين: (ذُقْ أَنَّكَ) بفتحِ الألفِ على إعمالِ قولِه: ﴿ذُقْ﴾ في قولِه: (أَنَّكَ) (٤). كأن معنى الكلامِ عندَه: ذُقْ هذا القولَ الذي قُلتَه في الدنيا.

والصوابُ من القراءةِ في ذلك عندَنا (٥) كسْرُ الألفِ من: ﴿إِنَّكَ﴾ على


(١) سقط من: ص، م، ت ٢، ت ٣.
(٢) بعده في ص، م، ت ١، ت ٣: "جل وعز".
والأثر أخرجه الحاكم ٢/ ٤٥١ - ومن طريقه البيهقى في الشعب (٨١٥٩) - من طريق صفوان، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة رفعه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٣٧ إلى ابن مردويه.
(٣) وهي قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وأبى عمرو وعاصم وحمزة. السبعة لابن مجاهد ص ٥٩٣.
(٤) وهى قراءة الكسائي. السبعة لابن مجاهد ص ٥٩٣.
(٥) القراءتان كلتاهما صواب، فهما متواترتان، فلا شذوذ في إحداهما.