للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نوعٍ من فواكه الجنةِ اشتَهَوْه، ﴿آمِنِينَ﴾ فيها من انقطاع ذلك عنهم ونفادِه وفنائِه، ومن غائلةِ أذاه ومكروهِه. يقولُ: ليست تلك الفاكهةُ هنالك كفاكهة الدنيا التي نَأْكُلُها، وهم يَخافون مكروه عاقبتها وغِبَّ أذاها، مع نفادِها من عندِهم وعدمِها في بعضِ الأزمنةِ والأوقاتِ.

وكان قتادةُ يوجِّهُ تأويل قوله: ﴿آمِنِينَ﴾. إلى ما حدَّثنا به بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ﴾: أمنوا (١) من الموتِ والأوصابِ والشيطانِ (٢).

وقولُه: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: لا يَذُوقُ هؤلاء المتقون في الجنة الموتَ بعد الموتِة الأولى التي ذاقوها في الدنيا.

وكان بعضُ أهل العربية (٣) يُوَجِّهُ ﴿إلَّا﴾ في هذا الموضع إلى أنها في معنى "سوى"، ويقولُ: معنى الكلام: لا يَذُوقون فيها الموت سِوَى الموتةِ الأولى. ويُمَثِّلُه بقولِه تعالى ذكرُه: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢]. بمعنى: سِوَى ما قد فعل آباؤُكم.

وليس للذى قال من (٤) ذلك عندى وجهٌ مفهومٌ؛ لأن الأغلب من قول القائل: لا أذوقُ اليومَ الطعامَ إلا الطعامَ الذي ذُقْتُه قبل اليوم. أنه يُريدُ الخبرَ عن قائِله أن عندَه طعامًا في ذلك اليوم، ذائقُه وطاعمُه، دون سائر الأطعمة غيره. وإذا كان ذلك


(١) في ت ٢، ت ٣: "آمنون".
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٣٣ إلى المصنف وعبد بن حميد.
(٣) هو الفراء في معاني القرآن ٢/ ٤٤.
(٤) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "في".