للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقولُ لهم ذلك عاينوا ألفَى (١) مُدَجَّجٍ ولا رأوْهم، وإنَّ ما أخبرهم به هذا المخبرُ - فقال لهم: ظُنُّوا - العلمُ بما لم يُعايَنْ، من فعل القلب، فوضَع أحدَهما موضعَ الآخرِ؛ لتقارُب معنَيَيْهما، في نظائرَ لما ذَكَرْتُ يَكْثُرُ إحصاؤُها، كما يَتَقارَبُ معنى الكلمتين في بعض المعانى، وهما مختلفتا المعنى في أشياءَ أُخَرَ، فَتَضَعُ العربُ إحداهما مكانَ صاحبتها في الموضع الذي يَتَقاربُ (٢) معنياهُما (٣) فيه، فكذلك قولُه: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾. وُضِعت "إِلَّا" في موضع "بعد"؛ لما وُصِفَ من تقارُب معنى "إِلَّا" و "بعد" في هذا الموضع، وكذلك: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢]. إنما معناه: بعد الذي سلف منكم في الجاهلية، فأما إذا وُجِّهتْ "إِلَّا" في هذا الموضع إلى معنى "سوى"، فإنما هو ترجمةٌ عن المكان، وبيانٌ عنها بما هو أشدُّ التباسًا على من أراد علم معناها منها.

وقولُه: ﴿وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ووقى هؤلاء المتقين ربُّهم يومئذٍ عذابَ النارِ؛ تفضُّلًا يا محمدُ من ربِّك عليهم وإحسانًا منه إليهم بذلك ولم يُعاقِبْهم بجُرْمٍ سلف منهم في الدنيا، ولولا تفضُّلُه عليهم بصفحه لهم عن العقوبة لهم على ما سلَف منهم من ذلك، لم يَقِهم عذابَ الجحيم، ولكن كان ينالُهم ويُصيبُهم ألمهُ ومكروهُه.

وقولُه: ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: هذا الذي أعطَيْنا هؤلاء المتقين في الآخرة، من الكرامة التي وصفتُ في هذه الآياتِ، ﴿هُوَ الْفَوْزُ


(١) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) في ت ٢، ت ٣: "تتفاوت".
(٣) في ت ١: "معناهما"، وفي ت ٢: "معنييهما".