للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباسٍ: ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾. يقولُ: أضلَّه الله في سابقِ علمِه (١).

وقولُه: ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وطبَع على سمعِه أن يَسْمَعَ مواعظَ الله وآى كتابه، فيَعْتَبِرَ بها ويَتَدَبَّرَها، ويَتَفَكَّرَ فيها، فيَعْقِلَ ما فيها من النور والبيانِ والهُدَى.

وقولُه: ﴿وَقَلْبِهِ﴾. يقولُ: وطبَع أيضًا على قلبه، فلا يَعْقِلُ به شيئًا، ولا يَعِى به حقًّا.

وقولُه: ﴿وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾، يقولُ: وجعَل على بصرِه غشاوةً أن يُبْصِرَ به حججَ الله، فيَسْتَدلَّ بها على وحدانيتِه، ويَعْلَمَ بها ألَّا إِلهَ غيرُه.

واختلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾؛ فقرأته عامةُ قرأة المدينةِ والبصرةِ وبعضُ قرأةِ الكوفةِ: ﴿غِشَاوَةً﴾، بكسر الغينِ، وإثباتِ ألفٍ فيها (٢)، على أنها اسمٌ. وقرَأ ذلك عامةُ قرأة الكوفة: (غَشْوَةً) بمعنى أنه غَشاه شيئًا في دفعةٍ واحدةٍ ومرةٍ واحدةٍ؛ بفتحِ الغين بغير ألفٍ (٣). وهما عندى قراءتان صحيحتان، فبأيتهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.

وقولُه: ﴿فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فمَن يُوفِّقُه لإصابة الحقِّ، وإبصار محجَّةِ الرشد، بعدَ إضلالِ اللهِ إياه؟ ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ أَيُّهَا النَّاسُ، فتَعْلَموا أن من فعَل اللَّه به ما وصَفْنا فلن يَهْتَدِى أبدًا، ولن يَجِدَ لنفسِه وليًّا مُرْشِدًا.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما في الإتقان ٢/ ٤٣ - واللالكائي في السنة ٢/ ٤٩١ (١٠٠٣)، والبيهقى في الأسماء والصفات (٢٣٤) من طريق أبي صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٣٥ إلى ابن المنذر.
(٢) هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وعاصم. السبعة لابن مجاهد ص ٥٩٥.
(٣) هي قراءة حمزة والكسائي. المصدر السابق.