يقولُ تعالى ذكرُه: قل يا محمدُ لهؤلاء المشركين باللهِ من قومِك: أرأَيتم أيُّها القومُ الآلهةَ والأوثانَ التي تعبُدون من دونِ اللهِ، أرُونى أيَّ شيءٍ خلَقوا من الأرضِ؟ فإنَّ ربي خلَق الأرضَ كلَّها، فدعَوتموها من أجلِ خلِقها ما خلَقَتْ من ذلك آلهةً وأربابًا، فيكونَ لكم بذلك في عبادتِكم إياها حجةٌ! فإن من حُجَّتي على عبادتي إلهى وإفرادى له الألوهةَ، أنه خلَق الأرضَ فابتدَعها من غيرِ أصلٍ.
وقولُه: ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: أم لآلهتِكم التي تعبُدونها أيُّها الناسُ، شركٌ مع اللهِ في السماواتِ السبعِ، فيكونَ لكم أيضًا بذلك حجةٌ في عبادتِكموها، فإن من حجَّتى على إفرادى العبادة لربِّى، أنه لا شريكَ له في خلقِها، وأنه المنفرِدُ بخلقِها دونَ كلِّ ما سواه.
وقولُه: ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: بكتابٍ جاء من عندِ اللهِ من قبلِ هذا القرآنِ الذي أُنزِل عليَّ، بأن ما تعبُدون من الآلهةِ والأوثانِ خلَقوا من الأرضِ شيئًا، أو أنَّ لهم مع اللهِ شِركًا في السماواتِ، فيكونَ ذلك حجةً لكم على عبادِتكم إياها؛ لأنها إذا صحَّ لها ذلك صحَّت لها الشركةُ في النِّعمِ التي أنتم فيها، ووجَب لها عليكم الشكرُ، واستحقَّت منكم الخدمةَ؛ لأن ذلك لا يقدِرُ أن يخلُقَه إلا إلهٌ.
وقولُه: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾. اختلَفتِ القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأته عامةُ قرأةِ الحجازِ والعراقِ: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ بالألفِ، بمعنى: أو ائتونى ببقيةٍ من علم. ورُوِى عن أبي عبدِ الرحمنِ السُّلميِّ أنه كان يقرؤُه:(أَوْ أَثَرَةٍ من علمٍ)(١). بمعنى: أو خاصَّةٍ من علمٍ أوتِيتُموه، وأوثِرْتم به على غيرِكم.
(١) وبها قرأ عليّ وابن عباس - بخلاف عنه - والحسن وعكرمة وقتادة وعمرو بن ميمون، ورويت عن الأعمش. وهى قراءة شاذة. ينظر مختصر الشواذ لابن خالويه ص ١٣٨، والمحتسب ٢/ ٢٦٤.