للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣]. فأخبَره اللهُ ما يصنَعُ به وما يصنَعُ بأمتِه (١).

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما أدْرِى ما يُفْتَرَضُ عليَّ وعليكم، أو ينزِلُ مِن حكمٍ. وليس يعني: ما أَدْرِى ما يُفعل بي ولا بكم غدًا في المعادِ، مِن ثوابِ اللهِ مَن أطاعَه، وعقابِه مَن كَذَّبه.

وقال آخرون: إنما أُمِر أن يقولَ هذا في أمر كان ينتظرُه من قِبَلِ اللهِ ﷿ في غيرِ الثوابِ والعقابِ.

وأولى الأقوال في ذلك بالصحةِ وأشْبَهُها بما دلَّ عليه التنزيلُ، القولُ الذي قاله الحسنُ البصريُّ، الذي رَواه عنه أبو بكرٍ الهُذَليُّ.

وإنما قلنا: ذلك أَوْلاها بالصوابِ؛ لأن الخطابَ من مبتدأِ هذه السورةِ إلى هذه الآيةِ، والخبرَ، خرَج مِن اللهِ ﷿ خطابًا للمشركين، وخبرًا عنهم،، وتوبيخًا لهم، واحْتجاجًا منِ اللهِ تعالى ذكرُه لنبيِّه . فإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أن هذه الآيةَ أيضًا سبيلُها سبيلُ ما قبلَها وما بعدَها في أنها احْتِجاجٌ عليهم وتوبيخٌ لهم، أو خبرٌ عنهم. وإذا كان ذلك كذلك، فمحالٌ أن يقالَ للنبيِّ : قُلْ للمشركين: ما أَدْرِى ما يُفْعَلُ بى ولا بكم في الآخرة. وآياتُ كتابِ اللهِ ﷿ في تنزيلِه ووحيِه إليه مُتتابِعةٌ، بأن المشركين في النارِ مُخَلَّدون، والمؤمنون به في الجِنانِ مُنَعَّمون، وبذلك يُرَهِّبُهم مَرَّةً، ويُرَغِّبُهم أخرى، ولو قال لهم ذلك، لقالوا له: فعلامَ نَتَّبِعُك إذن وأنت لا تَدْرِى إلى أي حالٍ تصيرُ غدًا في القيامةِ؛ إلى خَفْضٍ


(١) أخرجه النحاس في ناسخه ص ٦٦٥ من طريق أبي بكر الهذلي به مختصرًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٣٨ إلى المصنف بطوله.