فيكم يا معشرَ اليهود؟ قالوا: والله ما نعلم أنه كان فينا رجلٌ أعلم بكتاب اللهِ ولا أفقهُ منك، ولا من أبيك، ولا مِن جَدِّك قبلَ أبيك، قال: فإني أشهدُ بالله أنه النبيُّ الذي تَجدونه في التوراةِ والإنجيلِ، قالوا: كذبتَ، ثم رَدُّوا عليه قوله وقالوا له شرًّا، فقال لهم رسول الله ﷺ:"كَذَبْتُم لن يُقبَلَ قولُكم، أمَّا آنفًا فتُثْنُون عليه من الخيرِ ما أثنيتُم، وأما إذ آمَن كَذَّبْتُموه، وقلتُم ما قلتُم، فلن يُقبل قولكم"، قال: فخَرَجنا ونحن ثلاثةٌ؛ رسول الله ﷺ، وأنا، وعبدُ اللَّهِ بنُ سَلامٍ، فأَنزَل الله فيه: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ (١) الآية.
والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروقٌ في تأويل ذلك أشبه بظاهرِ التنزيل؛ لأن قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾، في سياق توبيخ الله تعالى ذكرُه مُشركي قريشٍ، واحتجاجًا عليهم لنبيِّه ﷺ.
وهذه الآية نظيرةُ سائرِ الآيات قبلَها، ولم يَجْرِ لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذكرٌ فتوجَّهَ هذه الآية إلى أنها فيهم نزلَت، ولا دَلَّ على انصراف الكلام عن قَصَصِ الذين تقدَّم الخبرُ عنهم معنًى، غيرَ أن الأخبار قد وَرَدَت عن جماعةٍ مِن أصحاب رسول الله ﷺ بأن ذلك غنى به عبد الله بن سلامٍ، وعليه أكثر أهل التأويلِ، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل، وما أُريدَ به، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك: وشهِد عبد اللهِ بنُ سَلامٍ، وهو الشاهد من بني إسرائيل، ﴿عَلَى مِثْلِهِ﴾، يعني: على مثل القرآنِ، وهو التوراة، وذلك شهادته أن
(١) أخرجه أحمد ٦/ ٢٥ (الميمنية)، وأبو يعلى في مسنده - كما في الإتحاف بذيل المطالب العالية (٥٣٩٩) - وابن حبان (٧١٦٢)، والطبرانى ١٨/ ٤٦ (٨٣)، والحاكم ٣/ ٤١٥، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٩/ ١١٢ من طريق أبي المغيرة به.