للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثناؤُه: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنَصْفَهُ﴾ [المزمل: ٢٠]، ولا تكادُ تقولُ: أنا أعلمُ أنك تقوم قريبًا من ساعة من الليل وكُلَّه، ولا: أخذتُ قليلًا من مالٍ أو كُلَّه، ولكن تقولُ: أخَذتُ عامة مالى أو كلَّه، فكذلك ذلك في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾، لا شكَّ أن نَسَقَ الأربعين على الثلاث والثلاثين أحسنُ وأشبه، إذ كان يُرَادُ بذلك تقريبُ أحدهما من الآخرِ، مِن النَّسَقِ على الخمسَ عشرةَ أو الثمانِ عشرةَ.

وقوله: ﴿وبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾، ذلك حين تكامَلَت حُجَّةُ اللَّهِ عليه، وسَرَتْ (١) عنه جَهالةُ شبابِه، وعَرَف الواجبَ اللَّهِ مِن الحقِّ في بِرِّ والدَيه.

كما حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيد، عن قتادةَ: ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾: وقد مضى من سيئِ عملهِ.

حدَّثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ: ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾ حتى بلغ: ﴿مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾: وقد مضى من سيئِ عملِه ما مضَى (٢).

وقوله: ﴿قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾. يقول تعالى ذكره: قال هذا الإنسانُ الذي هَداه اللهُ لرُشْدِه، وعرَف حقَّ اللهِ عليه فيما ألزَمه مِن بِرِّ والدَيه: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾، يقولُ: أَغْرِنى بشُكْرِ نعمتِك التي أنعمتَ عليَّ في تعريفك إيَّاى توحيدَك، وهِدايتِك لي للإقرار بذلك، والعملِ بطاعتك - ﴿وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾ مِن قَبْلى، وغير ذلك من نِعَمِك علينا، وألهمنى ذلك، وأصله من: وَزَعْتُ الرجل على كذا، إذا دفَعتَه عليه.


(١) في م: "سير"، وسرت: زالت وانكشفت، اللسان (س ر ي).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٢١٧ عن معمر به.