للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقول قائل: أين يبلغ عملى من عملِ هؤلاء! وذلك أن الله ﷿ تجاوز عن أَسْوَأَ أعمالهم فلم يُبْدِه، ألم تَرَ أن الله ذكر أهل النارِ بأسوأِ أعمالهم، حتى يقول قائلٌ: أنا خيرٌ عملًا من هؤلاء، وذلك بأن الله رَدَّ عليهم أحسن أعمالهم، ألم ترَ أن الله ﷿ أنزل آيةَ الشِّدَّةِ عند آية الرخاءِ، وآية الرخاءِ عند آية الشدة، ليكون المؤمن راغبًا راهبًا؛ لئلا يُلْقِىَ بيدِه إلى التَّهْلُكَةِ، ولا يَتَمَنَّى على اللَّهِ أُمنيةً يَتَمَنَّى على اللَّهِ فيها غيرَ الحقِّ (١).

واختلفت القرأة في قراءة قوله: ﴿نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ﴾؛ فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والبصرة وبعضُ قرأة الكوفة: (يُتَقَبَّلُ)، (وَيُتَجاوَزُ) بضَمِّ الياء منهما على ما لم يُسَمَّ فاعله، ورفع: (أَحْسَنُ) (٢)، وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفةِ: ﴿نَتَقَبَّلُ﴾، ﴿وَنَتَجَاوَزُ﴾ بالنون وفتحها، ونصب ﴿أَحْسَنَ﴾ (٣). على معنى إخبار الله جل ثناؤُه عن نفسِه أنه يفعل ذلك بهم، وردًّا للكلام على قولِه: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ﴾، ونحن نتقبل منهم أحسن ما عملوا ونتجاوزُ، وهما قِراءتان مَعروفتان صحيحتا المعنى، فبأيَّتِهما قَرأ القارئُ فمُصيبٌ.

وقوله: ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِى كَانُوا يُوعَدُونَ﴾، يقولُ: وعدهم الله هذا الوعدَ، وَعْدَ الحقَّ، لا شكَّ فيه أنه مُوفٍ لهم به، الذي كانوا إياه في الدنيا يَعِدُهم الله تعالى.

ونُصب قوله: ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ﴾؛ لأنَّه مصدرٌ خارجٌ مِن قوله: ﴿نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِم﴾، وإنما أخرج من هذا الكلام مصدرُ: وَعَد


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٤١ إلى المصنف.
(٢) قرأ بها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٥٩٧.
(٣) قرأ بها حفص عن عاصم وحمزة والكسائي، المصدر السابق.