للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه: فلمَّا جاءَهم عذابُ اللهِ الذي استعجَلوه، فرأوه سحابًا عارضًا في ناحيةٍ مِن نَواحِى السماءِ مُستَقبِلَ أوديتِهم، والعربُ تُسَمِّي السحابَ الذي يُرَى في بعض أقطارِ السماءِ عَشِيًّا ثم يصبِحُ مِن الغدِ قد استوى وحَبَا (١) بعضُه إلى بعضٍ - عارِضًا؛ وذلك لعرضِه في بعضِ أرجاءِ السماءِ حينَ نشَأ، كما قال الأعشى (٢):

يا مَنْ يَرَى عارِضًا قد بتُّ أَرْمُقُه … كأنما البَرْقُ في حَافَاتِه الشُّعَلُ

﴿قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾. ظَنًّا منهم برؤيتِهم إيَّاه أَن غَيْثًا قد أتاهم يَحْيَون به، فقالوا: هذا الذي كان هودٌ يَعِدُنا، وهو الغيثُ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ الآية: ذُكِر لنا أنه (٣) حُبِس عنهم المطرُ زمانًا، فلمَّا رَأَوا العذابَ مُقْبِلًا، ﴿قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾. وذُكر لنا أنهم قالوا: كذَب هودٌ، كذَب هودٌ. فلما خرَج نبيُّ اللهِ فَشَامَه (٤)، قال: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: ساقَ اللهُ السحابةَ السوداءَ التي اختارَ قَيْلُ بنُ عنزٍ بما فيها مِن النِّقْمَةِ إلى عادٍ، حتى تخرُجَ عليهم مِن وادٍ لهم يقالُ له: المُغِيثُ، فلما رَأوها استَبْشَروا وقالُوا: هذا عارِضٌ مُمطِرُنا. يقولُ اللهُ ﷿: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (٥).


(١) حبا السحاب: تراكم. اللسان (ح ب ي).
(٢) ديوانه ص ٥٧.
(٣) في م: "أنهم".
(٤) شام السحابَ والبرقَ شيما: نظر إليه أين يقصد وأين يُمطر. اللسان (ش ى م).
(٥) تقدم في ١٠/ ٢٦٩ وما بعدها مطولًا.