وهذا احتجاجٌ مِن اللهِ لنبيِّه محمدٍ ﷺ على مشركي قومِه، يقولُ لهم: لو كانت آلهتُكم التي تعبُدون مِن دونِ اللهِ تُغْنى عنكم شيئًا، أو تنفعُكم عندَ اللهِ، كما تزعمُون أنكم إنما تعبُدونها لتُقَرِّبَكم إلى اللهِ زُلْفَى - لأغْنَت عمن كان قبلكم مِن الأممِ التي أهلكتُها بعبادتِهم إيَّاها، فدَفَعَت عنها العذابَ إذا نزَل، أو لشفَعَت لهم عندَ ربِّهم، فقد كانوا مِن عبادتِها على مثلِ الذي عليه أنتم، ولكنها ضَرَّتْهم ولم تنفعْهم. يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ﴾. يقولُ: بل تركَتهم آلهتُهم التي كانوا يعبُدونها، فأخَذَت غير طريقِهم؛ لأنَّ عَبَدَتَها هلَكت، وكانت هي حجارةً أو نُحاسًا، فلم يُصِبْها ما أصابَهم، ودَعَوها فلم تُجِبْهم، ولم تُغِثْهم، وذلك ضلالُها عنهم، ﴿وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ﴾. يقولُ ﷿: هذه الآلهةُ التي ضَلَّت عن هؤلاء الذين كانوا يعبُدونها من دونِ اللهِ، عندَ نُزُولِ بأسِ اللهِ بهم، وفي حالِ طمعِهم فيها أن تُغِيثَهم، فخَذَلَتهم - هو ﴿إِفْكُهُمْ﴾. يقولُ: هو كذِبُهم الذي كانوا يَكذِبون ويقولون: هؤلاء آلهتُنا. ﴿وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾. يقولُ: وهو الذي كانوا يَفْتَرون فيقولون: هي تُقَرِّبُنا إلى اللهِ زُلْفى، وهى شفعاؤُنا عندَ اللهِ. وأُخرج الكلامُ مُخرجَ الفعلِ، والمَعْنيُّ المفعولُ به، فقيل: وذلك إفْكُهم. والمَعْنيُّ فيه: المأفُوكُ به؛ لأنَّ الإفكَ إنما هو فعْلُ الآفِكِ، والآلهةُ مأفوكٌ بها. وقد مضَى البيانُ عن نظائرِ ذلك قبلُ. قال: وكذلك قولُه: ﴿وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾.