للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا ابن ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن أيوبَ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، قال: لما بُعث النبيُّ ﷺ حُرِسَت السماءُ، فقال الشيطانُ: ما حُرِسَت إلا لأمرٍ قد حدَث في الأرضِ، فبعَث سراياه في الأرضِ، فوجَدوا النبيَّ ﷺ قائمًا يُصَلِّي صلاة الفجرِ بأصحابه بنَخْلَةً (١) وهو يَقْرَأُ، فاستمعوا حتى إذا فرَغ ﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ إلى قولِه: ﴿مُسْتَقِيمٍ﴾ (٢).

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ﴾ إلى آخرِ الآيةِ. قال: لم تَكُنِ السماءُ تُحْرَسُ في الفترةِ بينَ عيسى ومحمدٍ صلَّى اللهُ عليهما، وكانوا يَقْعُدون مقاعِدَ للسمْعِ، فلمَّا بعَث اللهُ محمدًا ﷺ حُرِست السماءُ حَرَسًا شديدًا ورُجِمت الشياطينُ، فأنكَروا ذلك، وقالوا: ﴿لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: ١٠]. فقال إبليسُ: لقد حدَث في الأرضِ حدَثٌ. واجتمَعت إليه الجنُّ، فقال: تفرَّقوا في الأرضِ، فأَخْبِرُونى ما هذا الخبرُ الذي حدَثٌ في السماءِ. وكان أولَ بعْثٍ ركبٌ من أهلِ نَصِيبينَ (٣)، وهى أشرافُ الجنِّ وساداتُهم، فبعَثهم اللهُ إلى تِهامةَ فاندفَعوا حتى بلَغوا الوادِيَ؛ وادىَ نخلةَ، فوجَدوا نبيَّ الله ﷺ يُصَلِّى صلاةَ الغداةِ ببطنِ نخلةَ، فاستمَعوا، فلما سمِعوه يتلو القرآنَ قالوا: ﴿أَنْصِتُوا﴾، ولم يَكُنْ نبيُّ اللهِ ﷺ علِم أنهم استمَعوا إليه وهو يَقْرَأُ القرآنَ، ﴿فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ (٤).

واختَلف أهلُ التأويلِ في مبلَغِ عددِ النفَرِ الذين قال اللهُ: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ﴾؛ فقال بعضُهم: كانوا سبعةَ نفَرٍ.


(١) نخلة: موضع على ليلة ليلة من مكة. معجم ما استعجم ٤/ ١٣٠٤.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٢١٨ عن معمر به.
(٣) نصيبين: مدينة من بلاد الجزيرة في الطريق من الموصل إلى الشام. معجم البلدان ٤/ ٧٨٧.
(٤) ذكره الحافظ في الفتح ٨/ ٦٧٢.